رقية سليمان الهويريني
قُدِّر لي سابقا التدريب في إحدى دور الضيافة، وكان يوم التدريب كئيباً مؤلماً لي لأنني أمارس فيه تنظيراً، ولا يمكنني فعل شيء سوى الاستماع لمعاناة الفتيات ودراسة الحالة التي أتناولها؛ وأضع خطة لحل مشكلتها دون تنفيذها حيث لا يسمح بالتواصل مع الأسرة!
استمعتُ لأكثر من حالة فتاة، وأنصتُّ لشكواهن التي تنقسم لشقين أحدهما مردها الأسرة التي ترفض استقبال الفتاة بعد انقضاء محكوميتها في السجن، والشق الآخر نتيجة لتعامل الدار معها، حيث ينظر لها كخطيئة وإنسان سيء السلوك، ويتم التعامل معها على هذا الأساس، لذا يكون العنف دافعاً للنزيلة على الهروب أو محاولة الانتحار لأنها ترى ألاّ ثمة رجاء ولا بارقة أمل تلوح بالأفق سوى انتقالها من سجن بزنزانة إلى غرف متناثرة في مبنى موصد الأبواب، وأيام تترى دون هدف!
إن تكرر حالات التمرد والهروب من دور الضيافة يحمل أكثر من مغزى، فالفتاة الهاربة لا حضناً آمناً يحتويها ولا يوجد لديها ما تخسره وقد ترجع لنفس الشخص الذي أوهمها بالحب المزيف فأقامت معه علاقة خاطئة أو حملت منه سفاحاً!
والأمر يحمل جوانب إنسانية أكثر منها اجتماعية، حيث إن توفير مقر آمن داخل الأسرة بوقف العنف ورفع الكبت قبل وقوع الخطأ هو ما ينبغي الاهتمام به؛ وأعني الوقاية قبل العلاج الذي أسميه علاجاً تجاوزاً حيث لا يبدو هذا العلاج ناجعاً.
إن بعض الأساليب القمعية التي تتخذها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ممثلة بدُور الضيافة مع الفتيات المنتهية محكوميتهن في السجون لا تعد وسائل تربوية إطلاقاً فهي توفر المتطلبات الاجتماعية كالمأوى والغذاء والكساء، ولكنها تفتقد للطرق التربوية التي توجه الفتاة لتعديل السلوك والانخراط مع المجتمع، وتفتقر لأسلوب التأهيل المهني أو الفني الذي يمكّنها من تعلم مهنة تشغلها وتدر عليها دخلاً يحفظ كرامتها. ولست أعني أن توفر الوزارة لهن مسكناً مستقلاً؛ ولكن أن تهيئَ الأسرةَ لاستقبال ابنتها واحتوائها قبل أن تحويها الشوارع المظلمة والمسارات المعتمة، وتتنازعها القلوب المريضة!
وإن كنت أكتب هذا المقال والقهر يحيط بي ويعصر قلبي الألم؛ فإنني أناشد وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتكليف من يخاف الله ويرحم ضعف هؤلاء الفتيات ممن يحملون هدف الإصلاح والتقويم وليسوا ممن يرفعون عصا القمع والاضطهاد.