د. جاسر الحربش
أصبحت ظاهرة اجتماعية، الشاب أو الشابة عندما يبلغ أحدهما سن الزواج وقد مر بتجارب شخصية فيها انفلات يعرف أنه مخجل يتحول إلى متعنت في مواصفات شريك المستقبل. بناء ً على تجارب الشخص السابقة يتراكم التوهم عن الفساد الأخلاقي المحتمل عند الطرف الآخر لأنه إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه. الشاب ذو السوابق التسيبية يطلب من والديه العثور له على زوجة صالحة مستقيمة لم تحترق صورتها في السنابات وحكاوى السياحة الخارجية. كذلك الشابة من نفس النوع تشترط في الزوج أن يكون تقياً ملتزماً لا يسهر ولا يدخن ولم يتعرض لمغريات السياحة الخارجية أو السهرات الداخلية.
بسبب هذا التوهم في احتمال فساد الطرف الآخر بناءً على القياس الذاتي ارتفعت نسبة العنوسة والطلاق في مجتمعنا خلال السنوات العشرين الأخيرة وتحولت إلى مشكلة ومعاناة اجتماعية واسعة. مع الانفتاح الثقافي والاجتماعي الجديد يبدو أن البعض، ولا أعرف كم هي النسبة، من الذكور والإناث فهموا مقاييس وجرعات الحريات الشخصية المقبولة بطريقة خاطئة وطائشة، مما سوف يشكل بالتأكيد ارتفاعاً إضافياً في نسب العنوسة والطلاق في السنوات القادمة. من يعتقد أن الأوضاع المادية وغلاء المهور وندرة السكن هي الأسباب الوحيدة لا يرى الأوضاع سوى بعين واحدة فقط.
في التجمعات الاحتفالية والموسمية عند المجتمعات التي سبقتنا إلى الانفتاح بزمن طويل من الملاحظ أن الناس إما يشاركون بملابس رسمية محترمة في البرامج المسرحية والموسيقية الموسمية الراقية، أو بالملابس المعتادة في الحياة اليومية بدون عرض أزياء وعطور ومساحيق ورموش صناعية في الاحتفالات والمناسبات الجماهيرية المفتوحة. لا شك أن فعالياتنا الاحتفالية المحكومة بقواعد تنظيمية ورقابية فاعلة قدمت أدلة كافية على وجود جمهور محترم يفهم الانفتاح كحقوق حضارية في المشاركة والاستمتاع والاستزادة الثقافية والجمالية، حيث لم يحصل تحرش معيب ولا احتكاك أو التصاق في ذلك النوع من الفعاليات، فسجلنا بذلك نقاطاً إيجابية. لكن ماذا عن الفعاليات التي كانت مفتوحة للجمهور بمختلف أعماره في غياب الرقابة والسيطرة الرادعة؟. ماذا عن المبالغات في الملابس والعطور والمساحيق والاقتراب لدرجة الالتصاق والاحتكاك، والتعبير عن الانتشاء المتعدي فوق درجات الإعجاب بالفعاليات نفسها؟.
لن أزعم أنه سوف يترتب انزلاقات أخلاقية بعد انتهاء التجمعات، لكنني أسأل فقط عن الانطباع العام الذي سوف يبقى في عقل الذكر والأنثى عن استقامة الطرف الآخر، وما قد يسببه ذلك من تعميم سلبي إضافي عن الحصانة الأخلاقية بناء على ما تعرضت له الحواس من الجنسين من روائح وحركات وإيحاءات؟.
لن يهمني من قد يتهمني بالانغلاق أو الرجعية، لأنني أريد فقط التحذير من ارتفاع نسب العنوسة والطلاق في القريب العاجل بسبب سوء التقدير للجرعات المقبولة في الفعالية الثقافية والاحتفالية. السؤال الذي سوف يبقى بالتأكيد اجتماعياً هو، كيف يختار الشاب شريك حياته عندما يقرر الزواج؟.