عبدالله بن موسى الطاير
السياسة الخارجية في عهد الأمير محمد بن سلمان تحررت من الحذر المبالغ فيه، وبسبب الظروف الإقليمية الحادة برزت السياسة الجديدة في تحولات سريعة وحازمة وربما ثورية عند بعض المراقبين لها.
السعودية قررت مواجهة الخطر وليس التعامل مع نتائجه، ولذلك استجابت لطلب الشرعية في اليمن على اعتبار أن في ذلك تصدياً مباشراً للنفوذ الإيراني ومحاصرته وإنهائه وليس تركه يتمكن ثم احتواء آثاره على الأمن الوطني السعودي والإقليمي الخليجي والقومي العربي. وفي مقابل هذا القرار الذي لم يتوقع المراقبون حدوثه في ظل قراءتهم الطويلة لمفردات السياسة الخارجية السعودية، ظهرت مقاربة مختلفة مع الجمهورية العراقية تحقق في نهاية المطاف ما يمكن أن تحققه عاصفة الحزم وإعادة الأمل في اليمن. ويستطيع الباحث الموضوعي أن يؤرخ لتغير نوعي في السياسة الخارجية السعودية في مشهدين متقابلين في كل من اليمن والعراق، وكلاهما بنفس الأهمية وبمعالجة مختلفة.
القرار في الشأن اليمني متشعب ومعقد تتداخل فيه الإرادة الدولية، ومثال على ذلك الفيتو الروسي الأخير الذي أجهض قراراً دولياً يدين تزويد إيران الحوثيين بأسلحة متقدمة وصواريخ بعيدة المدى، كما يتضح تعقيد المشهد اليمني في تنازع مكوناته ولاءات قبلية ومذهبية وحزبية ومصالح شخصية. ذلك هو المنظر العام الحالي الذي يفتح باب التشاؤم على مصراعيه لبعض المحللين عندما يزعمون «ورطة التحالف في اليمن». ولكن ماذا عن المنظور الاستراتيجي وكيف سيكون وضع اليمن بعد عشر سنوات من الآن؟ ذلك هو الرهان الذي بنيت عليه الإرادة السعودية في قيادة التحالف العربي لإعادة الشرعية.
ولد المشروع الحوثي بعد الثورة الإيرانية بفترة بسيطة، وبدأ فكرياً في طائفة مجتزأة من النسيج الزيدي، وتمكن على عين النظام السابق، واقتات على أخطائه وفشله التنموي بخاصة في صعدة والمناطق الشمالية، فعظّم النقمة على النظام وصوره موال وتابع لأمريكا والاستكبار العالمي، ثم ما لبث الخطاب الأيديولوجي أن تحول إلى مؤسسة معارضة بدأت تنفيذ مشروعها الأمني عام 2004م في سلسلة حروب مع النظام. هذا المشروع المتكامل لا يمكن هزيمته عسكرياً قبل إسقاط أيديولوجيته في عقول ووجدان اليمنيين، فالهزيمة العسكرية المحضة ليست سوى إذكاء للروح الأيديولوجية التي ستعود إلى العتمة من جديد لتواصل البناء التأسيسي بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على السلطة. عاصفة الحزم أماطت اللثام عن حجم الخطر الذي ابتلع اليمن بجيشه وحرسه الجمهوري ومقدراته وفعالياته القبلية. وحتى يهزم هذا المشروع وجب التعامل العسكري من جانب، وبيان فساد المشروع الحوثي من جانب آخر. وإذا كانت الحملة العسكرية تحقق تقدماً بطيئاً لحسابات معتبرة، فإن المجابهة الناعمة مع الخطر الحوثي تتقدم بسرعة أكبر وهو ما يقوض الأسس التي فتن بها هذا التنظيم المجتمع المحلي اليمني.
السياسة الخارجية السعودية انعكست أيضاً على الأزمة مع قطر؛ فالشراكة الإقليمية والجوار مهمان، ولكن الأهم منهما هو اتساق الأفعال والأقوال، وبذلك لم يكن هناك بد من اتخاذ القرار الأصعب وهو وضع حد للمجاملة على حساب الأمن الوطني. هذه رسالة بالغة الأهمية يفهمها الجميع في المنطقة وخارجها.
جلباب الحذر الذي اتشحت به السياسة السعودية طويلاً أصبح اليوم من نصيب غيرها في تعاملها مع السعودية. وبقدر الصخب الذي يضج به الإعلام الغربي والمعادي تجاه السياسة الخارجية السعودية هناك إيمان عميق بأن الخطأ مع السعودية الجديدة لن يغتفر، وبالتوازي مع هذا الشعور هناك رأي عام عربي يراقب بإعجاب ما يجري في الداخل السعودي ويتطلع إليه كأنموذج يتوق إلى تعميمه. ولذلك فإن تصريح وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون «إن مستقبل السعودية والمنطقة والعالم الإسلامي يعتمد على نجاح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان». السعودية الجديدة هي الضوء في نهاية النفق للخروج من الأزمة التنموية في العالمين العربي والإسلامي.