عمر إبراهيم الرشيد
أعلم أن العنوان كبير ومقال صغير لن يحيط بموضوع كهذا، إنما دور الكاتب والصحافة عموما إثارة الأسئلة وإنارة الزوايا المعتمة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. أتاني زميلي في العمل يوما فأبدى تذمراً من لغة بعض الإعلانات التجارية وأسلوبها، خاصة ما يتعلق باختيار كلمات الإعلان وتوافقها مع اللغة العربية الصافية، واللافت أن زميلي متخصص في تقنية المعلومات وهذا مجال عمله، وليس له صلة بالتعليم أو الكتابة مما له علاقة باللغة العربية، إنما كما كتبت وكتب غيري من قبل عن أن اللغة جزء أصيل من الهوية وهي لسان حضارة أي أمة وثقافتها، وغيرته على اللغة تندرج في هذا المفهوم النبيل السامي.
كان قد صدر في عهد الملك فهد -رحمه الله- قرار بمنع استخدام الأسماء الأجنبية للمحلات التجارية، باستثناء تلك الخاصة بشركات وأسماء تجارية أجنبية في الأصل، والهدف من ذلك القرار كان حماية لصفاء اللغة وسلامتها من الكلمات والأساليب اللغوية الدخيلة، كان هذا قبل الثورة الرقمية، فكيف صار الحال باللغة هذه الأيام ولن تعجزكم الإجابة على كل حال. والمقصود ليس الندب أو البكاء على الأطلال، ولا استخدام العربية الفصحى في جميع أحوالنا فذلك ضرب من المثالية ومستحيل التحقيق، وانما إعلاميًا وإعلانيًا أرى ذلك أمرًا في غاية الأهمية وجزءاً من الهوية الحضارية. وللحق فالقنوات الإعلامية الحكومية من إذاعة وتلفاز وكذلك الصحف ما زالت على احترام هذا المبدأ ويحسب لها ذلك كما لمعظم تلك التي في الدول العربية عموما. أما بعض القنوات والمحطات الإذاعية الخاصة فهي في سباق للإفلات من جماليات اللسان العربي، فتسمع هذا المذيع أو مقدمة البرنامج تلك يلوكون ألسنتهم بكلمات أجنبية على الرغم من أن المستمع أو المشاهد عربي، فعلام التصنع والادعاء؟ وكمثال على النقيض، فإن لدى الفرنسيين حساسية شديدة وغيرة تجاه لغتهم من غزو منتجات أمريكية بأسمائها، حتى أنك تجد بعض مقاهي ومطاعم باريس لا تبيع (الكولا) أو (الهمبرجر)، والأخيرة بالمناسبة لو علم كثير من شبابنا وحتى بعض الكبار معناها الأصلي لتحرجوا من استخدامها فما بالك بكتابتها على لوحات المطاعم. والمؤكد كذلك أنه لا بد من مراعاة اهتمام الجيل الشاب ومخاطبته بلغة غير مقعرة وإنما عربية راقية وسليمة، لكن لا يعني هذا أن تكون لغة سوقية أو تشوبها كلمات أجنبية، أو يكون الأسلوب هابطاً حتى يتقبله الشباب، لأن في هذا استخفافاً بهم وليس العكس، أخذًا بالاعتبار حث الشباب على احترام لغتهم التي هي جزء من هويتهم.
الإعلان علم واحتراف له أصوله القائمة على دراسات نفسية واجتماعية، أدواته الأسلوب اللغوي والصورة أو المشهد المؤثر، ولاعلاقة له بالصخب أو نبرة الصوت مهما علت، إنما في مخاطبة المتلقي بلغة سليمة راقية لا تنطلي على غش بل تتحرى المصلحة المشتركة، شكرًا لصديقي على غيرته على اللغة وسأمه من بعض أساليب الإعلانات التجارية ولأنه منحنى فكرة مقالي هذا الأسبوع، صحبتكم السلامة.