عبد الرحمن بن محمد السدحان
بدْءاً، أُسلِّم بأنني لا أملك رصيداً من ثراء الخبرة، ولا ثقافة الحرف، ولا أدب البيان يؤهّلني لنصح أيّ كاتب آخر، في أيّ زمان أو مكان!
أقول هذا، لا تزلفاً لذكاء القارئ ولا تملقاً لرضاه، ولا طمساً لحضور ذاتي الأدبية، أثراً وتأثيراً. ولكن رغبةً في الإدلاء برأي متواضع تراكم في خاطري سنيناً، وتمرّد عليَّ حَجْبُه مراراً طمعاً في الخروج من غياهب النفس، وفي كل مرة كنتُ أصدُّ تمردَه بالصبر، خَشيةَ أن يُساء فهمُه حين يرى النور!
***
وقد حرّضَني على (إعلان) هذه (الوصايا العشر)، التالية عدةُ أمور، أهمُّها:
أ) متابعتي للعديد ممّا تحمله الصحف والمجلات الدورية وشبه الدورية ناهيك بالكتب والأبحاث وما في حكم ذلك، من غثِّ الكلام وثمينِه.
***
ب) لغَطُ المجالس الذي لا ينتهي حول ما يُقرأ ويُسمع، والتضارب العجيب في تقييم الكتّاب.. وما يكتبون، والباحثين وما يبحثون، وتصنيفُهم تصنيفاً يتراوح بين مُبْدع وضعيفٍ وسفيه، فإذا قارنت هذه الأحكامَ مقترنةً بأصحابها، ألفيت كاتباً ما نَالَ وصفَ (مبدع) عند قارئ، بعد أن صنَّفه آخرُ بالضعف المبين، فإذا استطلعت السببَ.. سمعتَ من القولِ عجَباً!
***
يقيناً، لا يمكن أن يُجمعَ كلُّ القراء في أي مكان أو زمان على اصطفاء كاتبٍ أو نبذ آخر، فهناك قدر من التباين في الأحكام تخضع لثقافة القارئ نفسه وفهمه لفنّ الكتابة، واستيعابه لها: لغةً وآليةً وموضوعاً.
وأمام فيضٍ مُتْرفٍ من الأحكام التي يستقبلها سمعي حيالنا معشرَ الكُتّاب، ولأنني أتعاطف مع القارئ والكاتب بقدرٍ يتساوى معه الحرصُ على ألاّ يظلمَ القارئُ الكاتبَ أو العكس، أو يطْغَى أحدُهما على الآخر، فقد وددتُ أن أطرحَ عشْرَ وصَايا أنصحُ بها نفسي والأخوةَ الكتّابَ الآخرين، عسى أن يكون لنا في إتباعها نفْعٌ يثرى رصيد ثقةِ القارئ فيما نكتب، ويزيد قدرته على تقويمنا والحكم لنا أو علينا!
***
وترتيباً على ما سبق، أقول لنفسي ولزملائي الكُتّاب:
1) اغمسُوا أقلامكم في مِدَاد همُوم الناس بصدقٍ كي يصدّقوكم.. وعدلٍ كي يثقوا فيكم.. وحيدة كي يستشهدوا بكم!
***
2) تذكّروا أن (حرية التعبير) مسألة لا تقنّنُها دائماً (خطوط حمراء) من صنع غيركم. فأنتم أحياناً. تضعون لأنفسكم بأوهامكم (خطوطاً حمراء) تعوق أقلامكم.
***
3) تذكَّروا أن جهلَكم بالحقائق أو تجاهلَكم لها أو فشلكم في فهمها.. أو تعصبَكم لآرائكم، أو تهميشَكم لآراء آخرين لا يتفقون معكم، أو إفسادَكم الودَّ لهم بسبب الاختلاف معهم.. كل هذه (خطوط حمراء).. تعوقُ حرّيتَكم أنتم في التعبير، وأنتم وحدُكم المسئولون عنها أولاً وآخرا!
***
4) لا تكونوا كبعض الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون، لأن الناس ليسوا كلهُم حُكَماء ولا غاوين!
***
5) الكتابةُ مسئوليةُ.. لا ترف، وجسْرٌ تعبرون فوقه صوب هموم الناس وليست (لوحة إعلان) للتعريف بمواهبكم ولا (لوحة شرف) تُحمَدون من خلالها بما لم تصنعوا!
***
6) تجنَّبُوا أن يكونَ أحدُكم واحداً أو أكثر من هذه الأنماط من الكتّاب:
* كاتبٌ يُسفّه نفسه وصُولاً إلى الشهرة!
* وكاتبٌ يُشَهّر بالآخرين آملاً أن (يشتهر) هو على حسابهم!
* وكاتبٌ لا يقول إلاّ نصف الحقيقة.. فيفْسُدَ تأويلهُ ويخيبَ رأيُه!
* وآخر لا يُسمن حرفه من علم ولا يُغني من جهل!
***
7) لا تأْمروا الناسَ بالبِرِّ وتنسوا أنفسكم، فأنتم تسكنون (بيوتاً من زجاج)، والناس يرونكم.. من حيث لا تدرون ولا تدركون!
***
8) لا تنهوا عن شيء وتأتوا مثله، فللناس شفافية من حواس تخترق (حواجز) غلو الذات لدى بعضكم وأنتم لا تعلمون!
***
9) اقرأوا.. ثم اقرأوا.. ثم اقرأوا.. ثم اكتبوا!
***
10) أخيراً.. ليس المهم أن يرضى عنكم كل الناس في كل ما تكتبون، لكن الأهمَّ من ذلك أن تكتبوا شيئاً يرضي الحقيقة والفضيلة والعدل! أمّا رضا الناس فغاية لا ينبغي أن تشدّ لها الرحال.. دائماً!