خالد بن حمد المالك
الصورة الانطباعية الأولى لمشهد بغداد لم تتغير كثيراً بين اليوم الأول والأخير من زيارتنا للعراق -بغداد تحديداً- فقد لاحظنا حركة طبيعية في الشوارع، وازدحام الطرقات بالسيارات مع شيء من الالتزام بنظام المرور، مع وجود نقص حاد في إشارات المرور، وخلو كثير من المناطق من الجسور والأنفاق، مما كان سيخفف من بطء حركة سير السيارات في الشوارع، لو أنه تم إقامتها، غير أن الحروب المتكررة أخذت الأخضر واليابس من موارد هذه الدولة النفطية، فمن الحرب العراقية - الإيرانية، إلى غزو صدام للكويت واحتلاله لها، إلى تدخل التحالف الدولي وطرده من الكويت، وملاحقته في العراق، قبل أن يتم الغزو الأمريكي في العام 2003م التي قضت على ما تبقى من جماليات في بغداد، مع نهب للآثار وكل ما يرمز إلى التراث والحضارة والتاريخ العراقي.
* *
أعني أننا من خلال تجولنا في بغداد، وإن لم نكن -زملائي وأنا- في تجوالنا راجلين، إلا أننا لاحظنا أن المحلات التجارية كانت أبوابها مشرعة إلى ما بعد منتصف الليل، وأن هناك على ما يبدو قوة شرائية معقولة نسبة لكثافة المرتادين لهذه المحلات كما شاهدناها، غير أن بغداد تبدو أنها بحاجة إلى غسيل من آثار الحروب، فقد بدت لي شاحبة ومتأثرة من الظروف القاسية التي مرت بها، وتحتاج مبانيها وأنفاقها وشوارعها وميادينها إلى صيانة وتجديد وإعادة شيء من وهجها الذي كان، كما تحتاج إلى إضافات تحديثية تستجيب لمتطلبات العصر، حيث تبدو بغداد كما لو أن أي جديد أو إصلاح في عمارتها وكأنه لم يمسها منذ عقود.
* *
لكن مع هذا، فكل من التقيناهم من العراقيين كانوا على درجة عالية من التفاؤل، وأن ما شغل العراق بعد انتهاء حكم البعث، وخروج القوات الأمريكية من البلاد، هو القضاء على الإرهاب، وطرد داعش، وبناء مؤسسات الدولة، وبخاصة الجيش الذي تم تسريحه بالكامل خلال سنوات تولي الحاكم الأمريكي لمقاليد الأمور في البلاد، مع التلويح بصعوبة أن يتم تحقيق الإصلاحات بما فيها الضرورية في فترة زمنية قصيرة، ففضلاً عن انخفاض أسعار النفط، فإن 75% من ميزانية العراق تصرف رواتب لموظفي أجهزة الدولة، و5% تستقطع لصالح الكويت تنفيذاً للقرار الدولي بسبب الأضرار التي لحقت بالكويت بسبب احتلال صدام لها، وهناك التزام بأكثر من10% للمجموعة الأوروبية أيضاً، مما سيجعل بغداد ولسنوات قادمة عاجزة عن تحسين ما ألحقته مغامرات صدام من آثار سلبية على العراق بالكامل وليس في بغداد فقط.
* *
على أن تفاؤل العراقيين يبقى -مع ذلك- في مكانه الصحيح، فهناك توجه جيد، وخطوات ملموسة، وتصميم قوي على عدم الاستسلام للحالة الحالية، وأن العراق بمثل ما هزم داعش، وكما أنهى ظاهرة التفجيرات التي مست كل مفاصل الدولة، وذهب ضحيتها الكثير من الشهداء المدنيين الأبرياء، فالدولة قادرة على أن تلملم جراحها، وتعود من جديد دولة قوية ومهابة وداعمة للتوجه العربي، ومستعيدة مكانها الطبيعي بين أشقائها، وقد بدأت فعلاً خطواتها هذه بتحسين علاقاتها مع جيرانها من العرب، وخصوصاً مع المملكة التي تحدث عنها كل من التقيناهم من المسؤولين بمحبة وتقدير وحرص على أن تعود أقوى بكثير مما كانت عليه في أي فترة من فترات الحكم في العراق.