د. خيرية السقاف
الموت هو الحقيقة الوحيدة التي حين تتجلى في دار, فإن ساكنيها سيؤولون إلى اليقين..
كلما تحركوا وجدوا آثارًا لمن ذهب ولن يعود, ومضى ولن يحضر, وسكت ولن ينطق..
كلما جلسوا حيث كان فرغ منه المكان..
وكلما وجدوا له شيئا, خلا الثوب من جسده, والحذاء من قدمه, والوسادة من رأسه, والمقعد من هيكله..
أوراقه تقبع فضاءً ناصعا دون كتابته,
قلمه لا يتحرك بمداد محبرته,
والطبق كان يتشهى فيه الطعام, خاويًا,
وكوب مائه, وإناء حسائه فارغين تصدح فيهما أصداؤه..
الموت هو القبضة التي تهز, والتي لن يفلت من قوتها حالم, ولا متخيِّلٌ..
هو المُعالِج لدعة الأمل ينتظر الذي سيأتي,
وتسويف التمادي الذي يهيِّئ أنه سوف يمتثل..
من مات ثم عاد, لتقف أمور الحيَّ في انتظاره غائبًا فرت من عروقه الروح!!
من غاب وعاد صوته يجلجل في الحضور؟!
من عاد ليحرك مفاتيح بابه ويلج؟!
أو عاد ليشرع بابه ويخرج؟!
فتعود لداره حركة الحياة التي فيه,
أو لسبيله شراكة قدميه في السير فيه؟!..
الموت يقين فارض حين يسكن المرء في مخيلته,
ينتشله منها بحتمية أن لا خلاص من الفراغ الذي يخلِّفه بعده,
وأن لا محال من الاختفاء المدهش لمن كان هنا, ثم اختفى!
أخفاه الموت, ولن يأتي..