محمد آل الشيخ
مباراة كرة القدم الودية التي أقيمت في مدينة البصرة، بغض النظر عن نتيجتها، كانت قراراً صائباً، يدل بالفعل على أن العرب عموماً قد استيقظوا من حالة السبات التي اكتنفتهم بُعيد الأحداث الدامية والعنيفة عقب ما يسمونه (الربيع العربي)، والذي لم يمزق الشمل العربي فحسب، وإنما مزق العقل العربي أيضاً، وجعل الأذناب يتصرفون، وكأنهم يملكون الأمر والنهي، فيشترون بأموالهم الذمم، ويمونون الميليشات، ويجلبون شذاذ الآفاق القتلة من كل حدب وصوب، ليثيروا الفتن تلو الفتن في كل أرجاء العالم العربي، وفي النهاية، يتفاخرون على رؤوس الأشهاد، بأن ميلشياتهم (يحتلون) أربع عواصم عربية.
صحيح أن العراق العربي ألقى به الآفل (باراك أوباما)، عن قصد وتعمد، في الحضن الفارسي، لكن السؤال الذي يثيره هذا التصرف الأوبامي الشنيع، أين كان العرب، ولماذا بقوا يتفرجون ولم يحركوا ساكناً، رغم أن الضرر لا يلحق فقط بعراق العرب، وإنما يمتد إلى كل الدول في المنطقة، وبالذات الدول المتاخمة للعراق، وعلى رأسها دول الخليج.
الذئب الإيراني وجد العراق الجريح وحيداً، مثل لقمة سائغة فابتلعها، لذلك فإن الترحيب منقطع النظير الذي لاقاه الفريق السعودي في البصرة من قبل الجماهير العراقية، كان مؤشراً يحمل كثيراً من التفاؤل الذي يؤكد أن المواطن العراقي، مهما كانت الطائفة أو المذهب الذي ينتمي إليه، مازال عربياً أصيلاً، تجري العروبة في عروقه، وأن (النعرات الطائفية) التي أثارتها داعش والقاعدة من جهة، والحشد الشعبي والميليشيات الإيرانية من الجهة الأخرى، كانت مجرد ظاهرة عابرة ومؤقتة، لم تؤثر في عمق المزاج العراقي، فما لبث العراقيون إلا أن عادوا إلى عرينهم العربي، رغماً عن أنوف الطائفيين والمذهبيين ودعاة الكراهية، الذين يعرف العقلاء أنهم يعملون ويقبضون ويُحرضون لمصلحة أعداء العرب من الخارج.
ويعزز هذه المؤشرات أن مجموعة من رؤساء تحرير الصحف والصحفيين، برئاسة الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير هذه الجريدة كانوا قد سبقوا هذه المباراة، وقاموا بزيارة إلى بغداد الرشيد ولقوا من الحفاوة والتعامل العراقي الكريم، من كل المستويات، ما أثلج صدورهم، وجعلهم يطمئنون إلى أن العراق بخير، بل وبألف خير، وأعظم وأكبر من الإرهابيين المتأسلمين من كلا الطرفين، شيعة كانوا أم سنة.
وليس لدي أدنى شك أن الفرس الصفويين قد أُصيبوا بعد هاتين الزيارتين في مقتل، فعزل العراق وشعب العراق -كما كانوا يطمحون- عن محيطه العربي، وسلخه عن انتمائه، ظهر بوضوح أنه هدف مستحيل؛ فرغم الجراح، ورغم أن العراقيين، قد تضرروا من التجاهل العربي المعيب أثناء احتلال العراق من الأمريكيين، إلا أنهم نسوا كل هذه الأخطاء المريرة، التي كان يندى لها جبين كل عربي؛ ودعوني أقول وبلغة العرب الأقحاح، رفعوا في البصرة وقبلها في بغداد، القول العربي المأثور في قواميس بني يعرب (عفا الله عما سلف)، وهكذا هي شيم الكبار.
وبهذه المناسبة دعوني أشكر صاحب المبادرة المستشار، ورئيس هيئة الرياضة، معالي الأستاذ تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ، الذي وظف الشأن الرياضي، لخدمة هذا المسعى السياسي للم الشمل، الذي نتفق جميعاً على أهميته القصوى لنا ولهم على حد سواء. قبل أن أختم أريدكم أن تقارنوا بين تعامل قادة تنظيم الحمدين في قطر، أهل الغدر والخسة والدناءة والمؤامرات وبين العرب الأقحاح في العراق، فالأسواق دائماً حين تتعافى تطرد فيها العملة الأصلية العملة المزيفة.
إلى اللقاء،،،