يوسف المحيميد
لم تكن الرياض جميلة وفاتنة في طقسها فحسب خلال شهري فبراير ومارس من كل عام، وإنما ممتلئة ومشرقة بأنشطتها الفنية والثقافية، إلى الحد الذي لا يجد المواطن وقتًا كافيًا لكل هذه الفعاليات، من معرض تراثنا حبنا في المربع، إلى المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية، ومن معرض الرياض الدولي للكتاب إلى مهرجان مسك آرت، ومن معرض تشكيلي إلى فوتوغرافي، إلى فعاليات هيئة الترفيه، وغيرها من الأنشطة التي تستهدف العائلة والمجتمع بكافة فئاته.
من المكان الوحيد الذي كانت تجتمع فيه العائلة سابقًا، وهو المنزل أو المطعم فقط (وفي غرفة مقفلة، تُسمى بارتشن) إلى الأمكنة والخيارات المتعددة خارج البيت دون استثناء، في المطاعم والمقاهي المفتوحة في الهواء الطلق، ومدرجات الملاعب المكشوفة، وفعاليات هيئة الترفيه المتتالية، وصالات السينما قريبًا، من حالة خاصة جدًا، وحصار غريب جدًا، إلى حالة طبيعية ومنفتحة على الحياة كما في دول العالم، ودول الجوار أيضًا.
كل هذه التفاصيل البسيطة والعميقة أيضًا، ستؤسس لحياة جديدة، ومجتمع حقيقي، يجعل من السهل تنفيذ كل ما أوهمونا بأنه مستحيل أن يحدث في هذه المدينة الجميلة، فمن يتذكر حالة واحدة فقط، كانت تحدث منذ بضع سنوات، يكتشف كم كنا نصنع أوهامنا الثقيلة، والساذجة أحياناً، بسبب خصوصية مزعومة، وأعني معرض الرياض للكتاب، كيف كانت هناك أيام مخصصة للرجال، وأخرى للنساء فقط، وكيف كان أصدقاؤنا الناشرون العرب يصفون لنا المشهد من الداخل، عن غرابته وكاريكاتوريته، وكيف نشعر بالغصَّة لسخريتهم المُرَّة، ويلتهمنا الألم والحزن بأننا نكتب ونكتب ولا نستطيع تغيير شيء، حتى تغير المجتمع تدريجياً، وحسمت القرارات التاريخية الأمر، وأصبحت هذه المواقف والمواصفات الغريبة لمجتمعنا، قد تبدو (فانتازيا) لأولادنا وأحفادنا، وربما يجدون في رواياتنا عالماً غرائبيًا، يعتقدون أنها مكتوبة من باب التخييل، مع أنها حقائق عشناها ومررنا بها.
هذه الرياض تبدو في أجمل لحظاتها، وهي تستعد لكشف أناقتها المخبأة، في فنونها البصرية، من تشكيل ومسرح وسينما، وفي فعالياتها الثقافية التي ستكون أكثر جمالاً وهي تتحرر من أوهامها القديمة، فلتمطر هذه المدينة، ولتعش الأجيال القادمة حياتها الطبيعية، ويكفي أننا جيل الثمانينات دفعنا الثمن في سنواتنا المفقودة.