د. محمد عبدالله العوين
مع كل حزمة قرارات ملكية تتجلى غايات القيادة الحكيمة في صياغة المستقبل الزاهر لهذا الوطن العظيم.
ومرة إثر مرة وبعد كل حزمة تغييرات إدارية نقترب إلى تحقيق الأهداف التي رسمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ويعاضده في تنفيذها القوي الأمين ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - لتتحقق الرؤية الطموحة للمملكة عام 2030م منجزة أهدافها كاملة بإذن الله تعالى.
وبتأمل دقيق لمسيرة التغيير والتطوير في هياكل الإدارة والمال والتعليم والإعلام والصناعة والتسليح والمجتمع كمنظومة واحدة وإن كانت ذات مسارات متعددة ومتشعبة نرى أنها تسير متجاورة لتحقق غاية واحدة؛ وهي «وطن عصري قوي آمن ناهض مزدهر ومنافس».
وقد شرف الله سبحانه هذا الوطن أن يكون رائدا وقائدا، وهو استحقاق تاريخي لن ينازعه عليه أحد، فالجزيرة العربية مخزن تراث العرب الأصيل شعرا ونثرا وحكمة وبيانا، وهي موطن القيم الأخلاقية التي امتزجت بها جينات آلاف الأجيال من أبناء قبائل العرب قبل الإسلام، وهي التربة التي تخلقت فيها معاني الفروسية النبيلة وتشكلت هوية الجزيرة العربية الولادة التي لم تخضع يوما لمستعمر ولم تلن لمستبد غازي، ومن تطاول عليها ردته خاسئا خاسرا من أحباش وفرس وأتراك وغيرهم.
ثم نال العرب الشرف الأعظم بحملهم رسالة الإسلام ؛ فبعد أن هذب ما لم يتفق مع قيمه العظيمة أعاد صياغتهم من جديد بما جعلهم أمة قادرة على نيل شرف نقل رسالة الإسلام إلى العالم ؛ فكان عرب هذه الجزيرة حملة الشعلة الوهاجة التي أشرق نورها إلى العالم أجمع .
وبعد أن قاد أبناء الجزيرة العربية الفتوحات وقامت الدولة العربية الواسعة الممتدة إلى ما يقرب من نصف العالم نسيت الجزيرة العربية أكثر من ألف ومائة عام من 36 - 1157هـ.
فقد هاجرت عاصمة الدولة الأولى من المدينة المنورة إلى الكوفة في عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عام 36هـ لظروف سياسية لا داعي للخوض فيها الآن، ثم استقرت دمشق عاصمة للخلافة الأموية، ثم بغداد للعباسية، ثم قرطبة للأموية، ثم استانبول للعثمانية، بينما أهمل الأصل والمحتد والمنبع الذي أقام وبنى وغذى تلك الدول بالقادة والعلماء والمبدعين؛ وهي الجزيرة العربية.
ويشاء الله تعالى أن يعيد المجد إلى أهله والريادة إلى مستحقيها؛ فينهض الإمام المؤسس الأول محمد بن سعود - رحمه الله - باستعادة الدور التاريخي لأبناء الجزيرة العربية فجاهد وصحبه الأخيار إلى أن قامت دولتنا السعودية المجيدة.
لم يكن تحقيق هذا الطموح الكبير سهلا ولا ميسورا؛ فكم سعى الأعداء إلى ألا يقوم لأبناء الجزيرة العربية دولة قوية رائدة مؤثرة كما فعل الأتراك - مثلا - إلا أن الله تعالى كتب أن يحبط أعمالهم ويخيب مساعيهم.
وهذه المملكة الآن تتجدد، تبني في الداخل بعزيمة وإصرار وطموح يعانق السحاب، وتدافع على الحدود دون مقدساتها ومجدها وتاريخها وحضارتها من كل معتد زنيم .