عبد الله بن سليم الرشيد
في رثاء الخفيّ النقيّ د.عبدالعزيز بن محمد الزير رحمه الله (1368-1439هـ)
ألا فانهضْ، فمثلُكَ لا يموتُ
وما زالت تساجلُكَ النُّعوتُ
ودلِّلْ وجهَ دهرِكَ فهْو شاجٍ
وخفقُ لسانِه كرْبٌ صَموتُ
أتذكُرُ؟ كنتَ تخشعُ للمعاني
فينطقُ ملءَ حكمتِكَ السكوتُ!
وكنتَ تَدوفُ بالأحلامِ فألًا
لكي تحيا، وبعضُ الفألِ قوتُ
وكنتَ قصيدةً نسَجَتْ رنينًا
له بالحرفِ مُرتَقَصٌ خَفوتُ
صبايا الشعرِ بعدك ذاهلاتٌ
وكان لهنّ بين يديكَ صِيتُ
وكنتَ تدلّلُ الكلماتِ حتى
سعتْ في نيلِ آهِكَ تستميتُ
كأنك عشتَ في أطباق شعرٍ
تراقصَ فوقها كرزٌ وتوتُ
ترِقُّ كأنَكَ الوِرْدُ المصفَّى
وتسمو مثلَما يسمو القُنوتُ
ويعبرُك الضجيجُ ولا تبالي
بما يُزجيه محفِلُه المَقيتُ
مقيمًا من صفائِك في نُضارٍ
مَغيظًا منكَ بَهرَجُه النَّحِيتُ
***
بزغتَ مع النجومِ –أبا سعودٍ-
سَنًا تشتارُ عُصْرَتَه البيوتُ
وسِلْتَ مع المجرّةِ ألمعيًّا
تَلَقَّفُه الروابي والخُبوتُ
وفِئتَ إلى مماتِك أرْيَحِيًّا
تُراكَ رأيتَه حظًّا يفوتُ؟
كأنّ الموتَ ميلادٌ تجلّى
به ما أضمرته لك (البُخوتُ)!
***
تجَلّلتَ العطاءَ يدًا وقلبًا
وفي جنبيكَ جوهرُهُ يبيتُ
فكيف قسوتَ مرتحِلًا؟ أترضى
بأن أجتازَ ضوءَكَ ما قُرِيتُ؟
شجونيَ جاست الأضلاعَ ثكلى
وفكريَ سامدُ الرؤيا شَتيتُ
وأفزعُ ما ترتّبُه المنايا
همومٌ لا تموتُ ولا تُمِيتُ
***
تسلّلَ في دمي وجعٌ جريءٌ
فأيقظَ من جراحيَ ما نسيتُ
وبعثرني الذهولُ فلم أجدْني
وذوّبني الحنينُ فما رُئِيتُ
فعُذرًا إذْ تقاعسَ عنك نبضي
فإني -في رثائكَ- قد رُثِيتُ