د. صالح بن سعد اللحيدان
ليس هناك في الحياة حياة الإنسان حسب تجارب القرون أضر عليه من نفسه وليس هذا بكافٍ أن يفتش عنه في دهاليز النفس ليس هذا بكاف ذلك أن مقدار حيل النفس السرية اللاشعورية تحجز رؤية العقل حتى عند شدة التأمل وقوة الملاحظة في سياسة الحياة وسياسة النفس.
ولهذا يقع في الأرض من الزلل ما يقع من جراء ضعف الإنسان عن مدارك الخطأ والصواب ومدارك الخير والشر ومدارك الحق والباطل ومدارك الضياء والظلام.
فالنفس تواقة تغلب صاحبها وتزين له كل سبيل حتى إذا انتهى إليه وبرز العقل فكر كيف حصل هذا؟
ثم هو يدري من قبل أنه كان لا يدري ذلك أنه غيب العقل بطواعية الانسياق لمتعة أو راحة.
فحين يسير الإنسان في الحياة على شاكلة واحدة وإن اختلفت صور حالاته ظاهراً فإنه ينعمي عن كثير من بواطن الأمور كذلك يعيش في دائرة مغلقه لا يرى خارجها وإن رأى فإنه يرى من خلال المخادعة مخادعة العاطفة التي تنوب عن النفس نيابة أولى إذا عجزت النفس أن تقود صاحبها إلى مجاهل الحياة.
ففي سياسة نهوض الحضارات على هذه الأرض إنما كان في ذاتية السياسة ولست أشك في هذا أن التردد في القوة أو التردد في الحزم أو طلب الرأي ممن ينشد الذاتية ذلك هو عينه الذي جثمت فيه العاطفة على رؤية العقل ومنعت فيه النفس التدبر وصعدت فيه العاطفة لتزين لصالحبها أن القوة سوء كذلك قال من جرب خلال العهود.
ليس بمقدوري ولا بمقدور غيري من المتخصصين في سياسة الدول من ناجعة العقول على قول يراد لا رادف له إلا أن تدبر العقل المكيث ورؤية الحياة من خلال عدة زوايا ونظر سير مؤسس الحضارات الأكفأ ذلك يعين العقل قوة ما لم تتمارض النفس حتى تتمكن سراً من حوض العقل فتحيط به وترده على عقبه فينخاس إلى الخلف وتقبع في دهاليز اللامنظور لتضرب ضربتها.
لكن ما في ذلك شك أن في تأسيس الحياة هناك حواجز حيه حواجز صامدة حواجز واعية يقظة كلها من الحجر الصلب ترد النفس ليقال لها (العبي غيرها).
هنا في هذه المنطقة بالذات يسلم العقل الشفاف النزيه إلا أن يرى حياة على السجية تلك التي خلقها الله تعالى عليها وهذا يحتاج إلى صفاء ذهن ووعي عقل وتجارب مكيثة.
ليس العقل وحده كافياً ولا التجارب وحدها كافيه ولا كذلك المشورة الحكيمة بمفردها تنفع ما لم يصاحب هذا الموهبة بملاقحة العقول من خلال تطبيق الدهاء النابه والذكاء الحر، والوقوف على غوامض أخبار الحضارات كيف سادت.
ليست الغوامض بكافية من خلال استخلاص فقه البقاء بل الوقوف على الفروق بين غامض وغامض بين السبب والنتيجة بين الخطأ والصواب كلا إنما الوقوف بين أصل الخطأ وأصل الصواب.
ذلك سبباً هيناً لا يؤبه به قد يكون قشه هي نفسها أصل الخطأ في مدار البناء والهدم في آن.
وما القشة بحاصلة فعملت عملها إلا لأن النفس خاتلت العقل بشعور غامض لتكون القشة كامنة في اللاشعور فتضرب ضربتها لأن من صفات النفس المخاتلة تكون مع سرعة المفاجأة ولأن القلب يتقلب فهو كذلك ينقلب معها لا عليها وما العاطفة إلا الدرع الرئيسة لمنع العقل من الفكر النير الرشيد.
ولهذا يزل المرء خلال حياته حينما يعتقد أن قوله وفعله يقرب من الصواب حتى إذا عفا عليه الزمن أدرك أنه إنما كان أسير النفس أسير العاطفة.
وقد رسم الحكماء في أسفار الأولين ونقلها المتأخرون أن عصيان النفس ومصادمتها بوعي عقلي حذر ذاك هو الصواب.
وهناك غياب للعقل وهناك تغييب للعقل فغياب العقل إن كان جبله وخلقه فهذا أمر لست أذكره لأنه يحتاج إلى بسط وتحليل وتنويع وإن كان بسبب تزيين النفس له ما ليس بصحيح فهذه مشكلة.
أما تغييب العقل فتغييبه إنما جاء بعله خارجية طمست حقائق منها التأمل وقوة الملاحظة وصدق الحدس وشدة التوقي فهنا يحصل ما لم يكن بالحسبان حتى إذا وعى الإنسان أمره باستدعاء العقل بقوة الضرورة هنا لعله بقول الصحيح هو الصحيح. وإذا كانت الحياة حياة كل إنسان قصة مستقلة فهي تحكي صورة وصورة وصورة عنه لو قرأها هو بعد مئتي عام جدلاً لوسعه قرع سن نادم حتى ولو كانت حياته حسنة جيدة ويدرك أنه يدرك الخطأ لا جرم فإن عقله هناك يلومه أشد اللوم.