د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
ألفاظ ترتدّ إلى تعريب لفظ أعجمي واحد. وأما الدافور فيوصف به في لغة الشباب اليوم الطالب الجاد المتقن دروسه تشبيهًا له بالدافور (الآلة)، وهو جهاز الطبخ المتصف بشدة حرارة شعلته وبعلو صوت اشتعال بخار القاز (الكيروسين)، والدافور تحوير للفظ البابور وهو آلة الطبخ المكون من خزان يملأ (بالقاز) وفي الخزان مضخة هوائية تكبس القاز لينفذ بقوة من ثقب ضيق رذاذًا في رأس ساخن فيتقد الرذاذ في شعلة قوية، وأخذ اسم هذه الآلة من تعريب لفظ (بخار) باللغات اللاتينية كالإنجليزية vapour أو الفرنسية vapeurولقرب مخرج الفاء والباء نطقت باءًا أو واوًا؛ لأن من سمات الواو استدارة الشفتين، ثم جعلت الباء الأولى دالًا في (دافور)، وليست الدال ببعيدة المخرج من الفاء والباء.
وأما اللفظ الأعجمي فدخل إلى مصر مع الآلات البخارية كالقطار، فكل آلة اعتمدت في طاقتها على البخار سميت وابورًا كوابور الطحين ووابور الزلط. عربت الخاصة اللفظ الأعجمي بلفظ (وابور) وبها غنى محمد عبدالوهاب أغنيته المشهورة (يا وابور قول لي) من كلمات أحمد رامي، أما العامة فقالوا (بابور)، قال أحمد تيمور «بَبُور: أو بابور. الخاصة تقول: الوابور. وعامة الأرياف تقول: البَجور. والصبيان يلعبون الببور، ويرادف هذه لعبة اسمها (سفد اللِّقاح)»(1). ومن الآلات التي دخل فيها استعمال اللفظ (وابور الزلط) في استعمال أهل مصر، وهي عربة تتحرك على أسطوانة ثقيلة من الحديد تواسى فيه الطرق المغطاة بالزلط وهو صغار الحصى تثبيتًا لتربته وتقوية لمتنه، وقال الدكتور جواد الدخيل في تغريدة له مشيرًا إلى (وابور الزلط) «هذه الآلة تسمى في مصر (وابور الزلط) وفي الشام (محدلة) و(مدحلة)، أما اسمها في #صحيح_اللسان فهو (الْمِرْداس) والجمع مراديس»، وربما أوهم هذا أنَّ الآلة قديمة معروفة بهذا الاسم؛ ولكن معناها هذا من وضع المحدثين، قال الشيخ أحمد رضا «المرداس والمردس: شيء صُلب عريض يستعمل للدك والدق. وقد أطلقها مجمع مصر على الآلة التي تدك بها الطرق المرصوفة بالحجارة، وهي المعروفة بمصر بوابور الزلط؛ وتسمى بالشام بالمحدلة»(2)، والمرداس، من حيث هو لفظ، اسم آلة من الفعل (ردس)، قال ابن دريد «والرَّدْس أَن تضرب حجرًا بِحجر أَو صَخْرَة بصخرة حَتَّى تكسرها، رَدَسْتُ الْحجر بِالْحجرِ أردُسه وأردِسه رَدْسًا. وَمِنْه اشتقاق اسْم مِرْداس»(3)، ويقصد باسم مرداس العلم المطلق على الرجل. وأما (المحدلة) المستعملة في الشام فهي من «حَدَلَ: السطح دلكه بمرور (المحدلة) عليه وهي حجر كقطعة عمود صغير. وبعضهم يقول (مدحلة). و[حدل] الطريق دلكه وملّسه بمرور (المدحلة). وهي الآلة البخارية المعروفة في تمهيد الطرق. وقد سمّى مجمع فؤاد الأول بمصر المحدلة بالمردس وخصّها بالآلة البخارية التي تدكّ بها الحجارة. وعامة الساحل تطلق على محدلة السطح اسم (المعرجلينة)»(4). ولعل من مرادفاته «مندرونة: مرداس، اسطوانة، مدحاة كبيرة لتسوية الأرض»(5)، ومن آلات تسوية الأرض ما كان يستعمل في جنوب المملكة، وهو المدمسة، وهي خشبة ثقيلة تسوى بها أسطح الحقول.
(1) أحمد تيمور، معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية، تحقيق: حسين نصار، (ط2، دار الكتب/ القاهرة، 2002م) 2: 105. جاء في تهذيب اللغة للأزهري «ولُعبةٌ أُخْرَى يُقَال لَهَا سَفْد اللِّقاح، وَذَلِكَ انتظامُ الصِّبيان بَعضهم فِي إِثْر بعض، كلُّ ذَلِك آخِذٌ بحُجزة صاحبِه من خَلفه».
(2) الشيخ أحمد رضا، معجم متن اللغة (موسوعة لغوية حديثة)، دار مكتبة الحياة – بيروت،1958م، 2: 572.
(3) ابن دريد، جمهرة اللغة، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة: الأولى، 1987م، 2: 628.
(4) ياسين عبدالرحيم، موسوعة العامية السورية: كراسة لغوية نقدية في التفصيح والتأصيل والمولّد والدخيل (وزارة الثقافة/ دمشق، 2012م)، 3: 2195.
(5) رينهارت بيتر آن دُوزِي، تكملة المعاجم العربية، ترجمة: جمال الخياط (ط1، وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية/ بغداد، من 1979 - 2000م) 10: 119.