حاورته - مريم الحسن:
ظافر بن علي الجبيري
خريج قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب - جامعة الملك سعود 1990م.
له ثلاث مجموعات قصصية هي:
1 - خطوات يبتلعها المغيب 1997م.
2 - الهروب الأبيض 2008م نادي الرياض الأدبي.. والمركز الثقافي العربي .
3 - يومياًت حب مزمن 2014م. دار الأدهم. القاهرة.
- عضو مجلس إدارة نادي أبها الأدبي.
- عضو لجنة السرد في نادي أبها الأدبي.
- رئيس لجنة الإبداع في نادي أبها الأدبي منذ العام 1434 هـ.
نبدأ معه الحوار بمناسبة يوم القصة العالمي
* متى بدأ ولعك بكتابة القصة، وما أول قصة كتبتها؟ وبمن تأثرت من رواد القصة القصيرة؟
انتقلت من الخواطر واليومياًت في المرحلة الثانوية إلى محاولتي القصصية التي شكّلت المرحلةُ الجامعية ملامحها الفنية ، ولعل قصة (شاي للحبيب) ثم قصة (استقبال) التي نشرت في البلاد عام 1409هـ أعلنتا بدء علاقتي بالنشر في الصحافة حيث كانت هي الأساس في تلك الفترة. في المرحلة الأولى توقفت ، وليس تأثرا، عند أسلوب يوسف إدريس في عنايته بالشخصية والتفاصيل وعند نجيب محفوظ في فلسفته العميقة عن الحياة التي يقدّمها على لسان أبسط الشخصيات .. ومن الأدب الروسي في أجوائه الواقعية ونماذجه الإنسانية وفي الأدب الفرنسي وتأسيس كتّابُه الكبار لمدارس الأدب المعروفة من واقعية ورومانتيكية .. واستمرت القراءات لتحشد عوالم من المتعة والزاد الروحي المتنوّع ، وكأنّ كلّ كاتب يقدّم مائدة مختلفة تعطي للقصة مذاقاً وأجواءً لا توجد عند غيره، لتحضر مقولة ( الأسد ليس سوى مجموعة خراف مهضومة).
* (رجفة العناوين) قصص قصيرة كتبتها عام 2017 في أي ضوء كتبت، وما هي الأحداث التي وقعت في هذهِ القصص؟
هي المجموعة القصصية الرابعة في مسيرتي ونشرت أواخر العام الماضي 2017م، عنوان الكتاب هو اسم إحدى القصص في ثنايا المجموعة والرجفة هي خوف العناوين من أن يُقبض عليها، وهي تحاول الدخول برفقة صاحبها الذي ضرب أكباد المسافات بحثاً عن الكتاب الجيد والعنوان الذي يستحق كل هذا العناء والمخاطرة!
* ما الحالة التي تنتابك ككاتب قصة في غمار التساؤلات التي تعيشها ، ما المبتغى الذي يجوب في خاطرك لتلقي به بين السطور؟
التساؤلات بدءاً تعدّ محرضاً حاسماً على الكتابة ، فمصير الإنسان مقلق وحال الأوطان من حولنا تتهدّدُها النزاعات ، والوعي الإنساني يتنازعه الزيف واللاتسامح والأوهام. والقيم التي يتعهدها المرء بالرعاية ويظنّ أنها في منأى عن عوادي الزمن يجدها في حالة من الانسحاق والهباء تحت عجلة البحث عن كلّ جديد ، ويكاد يضيع الكثير من القيم باسم التسارع وحرق المراحل ، كل هذه الحالات والإحالات تشكل أسئلة يجد الكاتب نفسه تستجيب لها بكل شكل ممكن.
وبالمجمل ، فالكتابة تتمّ تحت تأثير القلق المزمن الذي يطال كلَّ شيء، وبما أنّ الكاتب ليس ملاكاً بلا مهمات أرضية ، وفي الوقت عينه ، لا يملك عصا سحرية يطوّع بها كل شيء .. يكفيه أن ينجح وهو يوزّع وقته الشحيح وينثر تجربته تساؤلاتٍ تعمّق الوعي بمصاعب العيش وإمكانية اجتراح حيوات أقل ألماً وسط حطام ما يبقى منه بعد ذلك.
* ثمة أمكنة وأزمنة وشخوص تعيش في عالم القصة القصيرة، كيف تفسر هذه العلاقة ضمن مفهوم البناء أو السرد القصصي؟
الزمان والمكان والشخصيات هي لب القصة القصيرة مع الحدث الذي ينطوي عليه السرد أو يحتمله البناء الفني للقصة .. فالعلاقة بينها كالنسيج يمسك بعضه بعضاً بخيوط خفية أو كالعضلات في جسم ما تقوم عليها عمليات متكاملة ومتداخلة تؤدي إلى الحياة والحركة والمشي والصعود إلى أعلى مراتب التكامل وإحداث الأثر.
* ماذا أخذت وأضافت الحداثة من مفاهيم وصيغ على القصة القصيرة؟
إذا كان المعنيّ بالحداثة ملاحقة الجديد واستجلاب آخر ما جادت به التقنية، فهذا التجديد يصبّ في فائدة الأدب كمنتَج والقصة جزء من ذلك . وعلى هذا فقد أضافت الحداثة الكثير، أما إن كان المقصود حركة الحداثة التي تفجّرت ملامحها ، وتعالت الدعوة إليها في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية من القرن الميلادي الفارط فقد كانت القصة ، من وجهة نظري، ضمن المعركة التي كان الهدف منها التبشير بعالم جديد يهدف إلى التحديث في الأدب شعراً وقصة، علماً أن القصّة استفادت من السجال النقدي ، وذلك بإبراز قضية التجديد كاستجابة لمتغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية، وقد أدّى ذلك إلى بروز عدد من الأسماء القصصية غابت اليوم تقريباً عن المشهد، ربما بسبب تركيزها على شعرية موغلة في لغة القصة.
* ما الحيّز الذي تشغله المرأة في كتابات «ظافر الجبيري» إجمالاً ؟
تشغل حيّزاً كبيراً واضحاً لعلّ عتبة الإهداء في أكثر من مجموعة تُفصح عن هذا الاشتغال .. بل يمكن القول إن إحدى المجموعات تفرغت لجانبٍ صعبٍ ومؤثرٍ في هذا الجانب وهي المجموعة الثالثة ( يومياًت حبّ مزمن ).
(يومياًت حب مزمن)، مجموعة قصصية صدرت لك عام 2014، أعطنا لمحات عن هذهِ المجموعة.
هي المجموعة الثالثة ، وقد تصدّت لحالة استشفائية من حالات الحضور - الغياب الذي تمثله المرأة بشكل سافرو ساخر ومؤثر حدّ الفجيعة!
* برأيك هل وصل السرد العربي بعد هذه السنوات إلى مرحلة النضج؟
السؤال يطرح حالة كبرى ، السرد العربي لا يمكن النظر إليه ككتلة واحدة بل لا بد من التأمل في كل بلد عربي على حدة، ومن ثَمّ تقريب الدائرة لتشمل الإقليم حتى نعود إلى الحالة الكبرى .. كل بلد عربي يعيش ظروفه الخاصة سياسيّاً واقتصاديّا وثقافيّاً ، تتحاور الفنون جنباً إلى جنب دون أن يُقصي أحدُها الآخر . السرد في البلاد العربية استفاد من حالة التركيز على الرواية وتشجيع الفكرة الإعلامية القائلة إنها ( ديوان العرب )، الرواية تأتي على رأس هرم السرد ، وتتفيّأ مناخاتٍ إيجابيةً عدّة منها الانفتاح النسبيّ، وكذا وجود الجوائز التي دعمت الكاتبَ وسلّطت الضوء على تجربته وأوجدت مناخاً تنافسيّاً ثريّاً أفاد الرواية كثيراً.
وفي تجربتنا المحلية مثلاً ، قدّمت الرواية صورة من الداخل بلا تجميل، وعكست ما بات يعرف بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية وأبرز السجالات التي تدور في المجالس والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.
ومع العلم أن المشهد السرديّ العربي اليوم يعيش حالةَ تأمّلٍ لمآلات الأوطان وحالة الإنسان ، وسؤال الهوية، وستنعكس هذه الأجواء إيجابيّاً على الرواية العربية متى ما انحسرت موجاتُ العنف والصراع وخفّت
الاستقطابات الاجتماعية والتجاذبات المذهبية واستردت الأوطان عافيتها - بمشيئة الله -.
* هل صحيح أن الأديب دائما ما تنقصه الحميمية والحقيقة مع القارئ ولماذا؟
ربما تُشاع هذه المقولة وتحمل في صلبها تهمة (البُرج العاجيّ) وغيرها من أحكام مسبقة كالانفصال عن الإنسان أو التنظير.
عموماً الأديب إنسان وأجزم أنه بحاجة إلى (حميمية مضادة للسؤال ربما!!) وعليه أجزم بأن الهوّة المفتعلة أو الافتراضية بينهما من السهل ردْمُها متى ما أتيحت للقارئ فرصةٌ لتلقّي إنتاج الكاتب بصورة مباشرة بعيداً عن الأفكار المسبقة .. في جوّ من الاعتراف بحق الكاتب في طرْق موضوعاته بحُرّيّة وفي جوّ من إقرار حق القارئ في تلمّس الكتابة التي تحتفي بإنسانيته وتتناول القيم الإنسانية العليا .. من حقّ وخير وجمال !!
* ما المسافة بين الأدب والقارئ غير النخبوي وهل على الأدب والأديب أن يكونا قريبين من الإنسان العادي؟
ألمحتُ في جواب السؤال السابق أنّ الفجوة المفترضة حصلتْ بسبب تُهمة النخبوية ومردّها وجودُ إنسان ينحاز إلى لقمة العيش، فهو مشغول بذلك غالباً بالمقابل يوجد إنسان آخر يبحث عن نموذجه الفني ويسعى إلى تمثيل الشرائح المجتمعية ، ربما تأتي التُّهم للكاتب من قرّاء امتلكوا بزعمهم الوصاية على القارئ ونابوا عنه في كيل التهم هنا وهناك . أرى أنّ الأمر أعمق لتجذّره في صلب المشكلات المزمنة للثقافة العربية.. وهو من السهولة أيضاً بحيث يكون الحل في المزيد والمزيد من القراءة والقراءة.. والقراءة!
* هل الأدب من يصنع المجتمع أم العكس؟
على مرّ العصور شكّل الأدب غذاءً ومتعةً وإلهاماً لدى الشعوب ، وبالمقابل يقدّم المجتمع بنماذجه الإنسانية وآماله العالية وعبر تجاربه وتضحياته المادةَ الخام للعمل الأدبي. فكلاهما يقدّم للآخر في علاقة أخذ وعطاء تتشكّل منها الأعمال الإنسانية الخالدة.
* (الهروب الأبيض) ماذا عن هذا الهروب؟
عنوان نص حملتْ المجوعةُ اسمَه وشكّلت مرحلةً وسيطة بين الشعور بالمرأة كقضية على المستوى الاجتماعي .. وبين محاولة الانتصار لها ككائن له حق الاختيار. في قصة ( الهروب الأبيض ) عن رجلٍ قتَلَ عريسَ أخته الذي أجبرت عليه ثم هرب، ليلتقي بامرأة هربتْ قبل الزواج الذي أُكرهت عليه، يلتقي الهاربان في جَبل بعيد، ويعيشان أياماً فيتنامى بينهما استلطافٌ هادئ حذر، وينشأ تعارف طاهر نقيّ تبدأ بعده حياة واعدة .
* كان تولستوي من عادته الكتابة في الصباح وتشيكوف يكتب في شبابه علي حافة النافذة، وظافر الجبيري أين ومتى يكتب؟
لا وقت محدد مسبقا للكتابة فقد تباغتني بعض النصوص أثناء قيادة السيارة أو في جلسة عائلية أو بين الزملاء كنص ( بوصلة الألم ) في المجموعة الأخيرة .. أو قبل النوم بثوانٍ.. لكن الكتابة القائمة على المراجعة والتنقيح تحتاج جوّاً وطقوساً من الهدوء والقهوة وربّما الموسيقى.. وهذا ما يجعل المساء وحتى ساعات متأخرة من الليل مما يجعلنا (كائنات ليلية) بامتياز! وعلى العموم فالتقنية سهلت الكثير فالتسجيل الصوتي السريع قد يُغني عن القلم، والشاشة قد تغني عن الورقة.. أي أن النص يمر بمراحل حتى يكتمل ..! والكاتب المحترف أعني المتفرّغ يحق له أن يذكر ويمارسَ طقوسا وعادات قد تبدو غريبة كما يشاء، أما في حالة الكاتب المشغول بالعمل والأسرة فـأكثر الطقوس ترفٌ دونه عقباتٌ كبرى أولُّها لقمة العيش الكاسحة !!
* دوّن نشاطاتك ومشاركاتك وما هو أهم حدث أدبي شاركت فيه؟
شاركتُ في فترة مبكرة في ملتقى شبابي خليجي يُعنى بأدب الشباب في أبو ظبي في العام 1993م، وكان حدثا مثيراً بما شكَّله من انفتاح على عالم ومظاهر اهتمام ثقافي لبلد ناشئ واللقاء بكتّاب شباب من الخليج والعالم العربي. أما أهم حدث فكان (اقتراح والإسهام في تنظيم) ملتقى أدبي نقدي عن السرد والقصة القصيرة في منطقة عسير في العام الماضي وقد شكّل لي ولنادي أبها الأدبي ولمثقفي المنطقة حدثاً بارزاً أعاد تشكيل وجهات النظر حول ما يكتب لدينا من نصوص، وضخَّ الملتقى الكثير من الطروحات والفعاليات حرّكتْ المشهد النقدي وأصبح مؤتمرا دوليّاً يشار إليه بالبنان ويعقد كل سنتين وهذه الأبرز بين الفعاليات الأقدم والأحدث!
* و ما دور القاص في مثل هذه النشاطات؟
القاص في الأساس كاتب والكاتب ضمناً مثقف، فإذا كان القاصُّ متفاعلا مع المشهد الأدبي الذي تديره المؤسسات الراعية للثقافة فعليه أن يكون حاضراً في المشهد، مسهماً بما يخدم الأدب والأدباء وخصوصاً الشباب ضمن المتاح والممكن من إمكانيات وشراكات تنظّم العمل الثقافي بعامة.
* كلمة أخيرة توجهها للكاتب والمتلقي!
أوجّهُ للكاتب تساؤلاً واحداً: هل ما تكتبه يمثّل طموحك وقدرتك على التأثير في وعي واهتمام المتلقي في عالم اليوم الذي اتسعت فيه فضاءات المعرفة ؟
وللمتلقي سؤال أيضاً : هل ترى الكتاباتِ الأدبيةَ التي تقرأها تمثّل مستوى مقنعاً لما يجب أن يكون عليه الإبداع؟ وهل بإمكان القارئ أن يرتفع بمستوى ما يقدمه الكُتّاب للقرّاء؟