قالت العرب «رمح الجبان طويل»... وأتساءل أنا لماذا الرمح وليس السيف؟ فالسيف أساسي في القتال والرمح ثانوي! وإذا أراد المقاتل خوض المعركة بجدارة وتفوق، فسيفه ورمحه ودرعه يجب أن تكون أخف ما يمكن من أجل حركة ومناورة أسرع وأجدى!
يذكرني هذا الأمر بمسلسل تلفزيوني تابعته في ثمانينات القرن الماضي، يروي قصة شاب من قبيلة (الزولو) في أفريقيا التي لم تصل لها الحضارة بعد .. اسمه (شاكا) وقد سمي المسلسل باسمه (شاكا زولو).
لجأ هذا الشاب للعجوز «الساحرة» التي تمنحه الحكمة والقوة حسب اعتقاده وقال لها: أريد أن تمنحيني الحكمة والقوة لأغير طريقة قتال القبيلة! وعندما استفسرت منه عن السبب قال: نحن نتفوق على القبائل الأخرى بالعدد وليس بأسلوب القتال، فنحن نخسر بمقدار ما يخسرون ولا نتفوق إلا لأننا القبيلة الأكبر عدداً، ولكن إذا جمعنا تعداد القبائل التي تعادينا مع بعضها فهم يفوقوننا عدداً!
وافقت تلك العجوز على طلبه، فهي شيخة القبيلة والمربية والملهمة والقديسة والأم والقائدة في آن واحد. وبطقوس النار والدخان رددت بعض الكلمات التي تناشد فيها الأرواح الخفية لمنح شاكا القوة والحكمة! .. ثم خرج شاكا من خيمتها وهو ممتلئ قناعة بأنه سيكون مفعماً بالحكمة واختلى بنفسه في الصحراء، ورسم على الرمل رمحاً ودرعاً بنفس المقاييس المستخدمة لدى القبائل، فاكتشف أن الرمح طويل أكثر من اللازم والدرع المصنوع من جلد الثور لا يحمي في القتال سوى النصف العلوي من الجسد، وبالرغم من قوته البدنية وعضلاته المفتولة صنع رمحاً صغيراً بحجم السيف، ودرعاً كبيرا يغطي الجسم كله ما عدا القدمين، وذهب لقيادات جيش قبيلته بدون أن ينتعل حذاءً كما كان متبعاً وعرض الأمر عليهم!
سخر القادة من شاكا ورفضوا عرضه في بداية الأمر ولكنه أثبت عملياً أنه محق، فأصبح قائداً للجيش ثم سيطر ووحد القبائل كلها وأصبح ملكاً! ... إذن الجبان صاحب الرمح الطويل قد لا يستطيع حتى الاشتراك في المعركة، فهو – عدا عن كونه لا يتحلى بالشجاعة- محروم من سهولة الحركة وحماية النفس، أما فاعلية القتال لديه تتجسد فقط في حالة واحدة: وهي أن خصمه أعزل من السلاح!
«الرمح الطويل الإسرائيلي» المسمى اف 16 سقط «بالرمح» القديم (سام5) الذي اقتنته سوريا منذ فترة طويلة! ... كيف حصل ذلك؟ من المفترض أن سام5 خارج الخدمة حالياً! ولكن روسيا ليست دولة استعمارية ولا تهيمن على دول يشترون منها السلاح القديم! وهي تطور القديم –كما فعل شاكا- ليس في روسيا فقط، إنما في الدول الصديقة التي تشتري منها السلاح، وهذا ما يفسر سقوط الطائرتين التركيتين اللتين أغارتا على سوريا في بدية أزمتها بواسطة مدفع رشاش قديم كان يستخدم إبان الحرب العالمية الثانية!
المضحك في الأمر أن التقارير الأمريكية تشير إلى أن الطائرة الإسرائيلية سقطت كما هي دون أن يخترقها الصاروخ! وأن سوريا أسقطت - بنفس الطريقة- 70% من الصواريخ الإسرائيلية التي أطلقت عليها بعد سقوط اف16! فروسيا لم تعلن عن صناعة صواريخ مضادة للصواريخ على غرار الباتريوت الأمريكي! أي أن الطائرة والصواريخ أسقطت إلكترونياً بصواريخ تعطل البرامج الالكترونية وتبرمج من جديد دون الحاجة للانفجار! ... والأنكى من ذلك أن أميركا أطلقت في 2017 59 صاروخ كروز وهي الأكثر تطوراً على مطار الشعيرات في سوريا، سقط منها 23 على المطار تفجرت قبل بلوغ الأرض بأمتار، واستأنف المطار عمله بعد يومين، أما الباقي (36 صاروخا) سقطت في البحر لا أحد يعلم كيف؟ فلم تنطلق أية صواريخ مضادة! وهذا معناه أن الروس تحكموا بتلك الصواريخ عن بعد، مما جعل الصحافة الأمريكية تقول: أن الجيل القادم من الحروب هو حرب الفضاء أو «حرب النجوم».
لقد رست حاملة الطائرات الأكبر أو «الرمح الأطول» في العالم (جورج بوش) قبل أيام على بعد 4كم من مرفأ حيفا، حيث أن هذا الأخير غير قادر على استقبال بواخر بهذا الحجم، وقد طبلت وزمرت الصحافة الأميركية وتوابعها لهذا الحدث «العظيم»، ولكن تلك الصحافة قد قالت ذات مرة: أن إسرائيل هي أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم! فكيف إذن تصبح (جورج بوش) هي الأكبر؟ .. ربما لأن (إسرائيل) ثابتة والأخرى متنقلة! أي أصبح لدى الولايات المتحدة حاملتا طائرات هما الأكبر في العالم واحدة ثابتة اسمها «إسرائيل» والثانية متنقلة ربما سيطلق عليها مستقبلاً «إسرائيل 2»، فبعد أن فشلت أمريكا في بناء «إسرائيلات» ثابتة في جورجيا وأوكرانيا والقرم وبحر البلطيق وشمال العراق وشمال سوريا ومناطق أخرى في العالم، لم يتبق لديها سوى «إسرائيلات» متنقلة للحفاظ على ما تسميه «مصالح». ولكن «إسرائيل1» لم تستطع الحفاظ على «المصالح» من النيل إلى الفرات و»اندست» وراء جدار، فكيف ستندس «اسرائيل2» في البحر؟، خاصة وأن صاروخ «ياخونت» الروسي الذي أعطب «ساعر» ذات الثلاثة أنظمة دفاع لا تتعدى قيمته الخمسة آلاف دولار بينما تكلفة بناء «إسرائيل2» بلغت 6.2 مليار دولار؟ يا ترى «رمح» من سيمزق أحشاء الآخر؟
- د. عادل العلي