قامت النظرية النقدية المعاصرة على أسس فلسفية أمدتها بهذا التفريع والتنظير؛ وذلك من خلال البحث عن المعنى والبحث في علاقة (الدال و المدلول)؛ وأيضا البحث في علاقة (المشاعر بالعقل) منذ أرسطو وأفلاطون الذي أخرج الشعراء من جمهوريته (أفلاطون، الجمهورية ص106-115-123) بحجة تعارضهم مع الأخلاق والدين و بحجة كونهم لا يحاكون الأخلاق المثالية حتى هايدجر الذي وافق بين الفن و المشاعر ضمن فلسفة الوجود؛ والبحث عن الحقيقة في الفن (هايدجر؛ منبع الأثر الفني ص91 في بحثه عن (الحقيقة والأثر))، ويعود هذا إلى فهم فلسفة الفن؛ ومعنى الأدب.
وتنطلق النظرية النقدية المعاصرة من ناحية اللسانيات المعاصرة بعمل دي سوسير الذي بحث في علاقة الدال والمدلول القائمة على الاعتباط؛ وتفريقه بين الكلام واللغة؛ مما جعل هذه العلاقة شاسعة للنظرية النقدية فيما بعد لتبحث فيها من خلال (السيمولوجيا) فانحصرت مع (البنيوية) ثم اتسعت مع (التفكيك ونظرية استجابة القارئ). وتنوع النظر في المعنى من كونه يسكن في (الصدق) كما عند البرجماتية؛ أو يكون في (إمكانية التحقق منه) عند الوضعيين(وحول هذه الفكرة يمكن العودة إلى كورس مفيد للدكتور صلاح إسماعيل في اليوتيوب بعنوان (فلسفة اللغة))
وعند إرجاع النظريات النقدية المعاصرة إلى الجهد الفلسفي فإننا نلحظ العودة إلى العمق الفلسفي في الطرح في نظريات مابعد البنيوية «فبعد أن استقت ما بعد البنيوية خصوبتها من الثراء الفلسفي المتفاعل مع أسرار تنامي التفسير اللغوي للوجود ، حاولت الدخول في جدلية نقدية مع المشروع البنيوي ، ثم تصوير كل شيء على أنّه نص ، وبناء قاعدة جديدة لتفسير المعنى وكشفه»(محمد سالم سعد الله، الأسس الفلسفية لنقد مابعد البنيوية ؛ المقدمة)، ونجد الباحث هنا يعيد تفريعات مابعد البنيوية إلى أصولها الفلسفية عبر فصول البحث الثلاثة (( ما بعد البنيوية بوصفه منهجا فلسفيا - ما بعد البنيوية بوصفه منهجا نقديا- توضيح استراتيجية ما بعد البنيوية في الاهتداء النقدي للظاهرة ، وحيوية التعامل مع اللغة )؛ ويصل الباحث إلى نتيجة فلسفية من تحليله لعلاقة النقد المعاصر بالأسس الفلسفية إذ يرى أنه «لا يؤمن منهج ما بعد البنيوية بالحقيقة الفلسفية المطلقة»(محمد سالم سعد الله، الأسس الفلسفية لنقد مابعد البنيوية ص283).
وتعتبر هذه المقالة جزءا يسيرا يقدم لهذه الأسس الفلسفية بين النقد المعاصر والفلسفة؛ وهي لمحة موجزة عن تلك العلاقة وليست بحثا تفصيليا.
- صالح بن سالم