وضعني عملي الإعلامي في صلة يومية مع الأخبار الاقتصادية بكل ما فيها من متغيرات وتحولات لا يمكن فصل تأثيرها عن حياتنا اليومية، ولطالما تساءلت عن الفرص التي نصنع فيها واقعاً اقتصادياً جديداً، حتى وجدت الإجابة في محاضرة قدمها البروفيسور فهد العسكر وكيل جامعة الإمام للدراسات العليا والبحث العلمي سابقاً، وأكد فيها أن معادلة التحول المنشود نحو اقتصاد المعرفة لا يمكنها أن تخلو من البحث العلمي.
قبل سنوات عديدة، لم يكن بالسهولة ذاتها أن يتجاوب معك شخص تحدثه عن أهمية الأبحاث العلمية وعن الابتكار الذي يمكنه وحده قيادة اقتصاديات دول بأكملها، ولكنك الآن لن تجد الوقت حتى لتقول له ذلك، ففي اللحظة الراهنة يعرف العالم أن فكرة مبتكرة قد بلغت قيمتها السوقية 900 مليار دولار، وهو ما يزيد على ميزانيات مجموعة من الدول مجتمعة.
من هذا المنطلق، سنعرف أن البحث العلمي ليس مجرد رافد اقتصادي ولكنه يملك القدرة على فرض حقائق جديدة على الاقتصاد، وسنفهم لماذا تملك الدول الكبرى كل ذلك الصبر لسنوات طويلة من الإنفاق الفلكي عليه، فالولايات المتحدة تنفق 487 مليار سنوياً بمعدل 2.81 من الناتج المحلي، تليها الصين بمبلغ 361 مليار فاليابان التي تنفق 160.6 مليار، وهذه الدول الثلاث وحدها تنفق نصف ما ينفقه العالم أجمع في البحث العلمي.
نجحت هذه المبالغ خلال السنوات الماضية في تشكيل قطاعات تقنية وصناعية عديدة في هذه الدول لم تلبث حتى تحولت إلى خطوط إنتاجية متنوعة في مختلف المجالات، فيما تكفلت النهضة التكنولوجية بتسريع وتيرة الاستفادة من مخرجات البحث العلمي والاندماج معها بشكل ساعد الباحثين أنفسهم على اكتشاف وتطوير أفكار من شأنها تعزيز نمو دولهم.
أدرك تماماً، أن أمراً كهذا لن يغيب عن نظر صناع القرار في مملكتنا الحبيبة التي تعيش أكبر عملية تحول تنموية من خلال رؤية 2030م التي تقوم على تنويع الاقتصاد بالاعتماد على مصادر متنوعة وبتشجيع الابتكار، وهو ما يجعلنا ننتظر الكثير من مخرجات البحث العلمي حيث تشير الإحصاءات إلى أن المملكة تنفق 6.75 بليون ريال (1.8 بليون دولار) وهو ما جعلها الأولى عربياً ، والـ 37 على مستوى العالم في مجال الإنفاق على الأبحاث.
وليست هذه المؤشرات الجيدة الوحيدة التي نملكها فقد ذكر أحد التقارير المتخصصة أن المملكة حققت معدل النمو الأعلى في الأبحاث العلمية عالية الجودة في غرب آسيا، فيما تواصل الجامعات السعودية تصدر الترتيب عربياً في معظم تصنيفات الجامعات العالمية، ولعل هذا كله يجعلنا أكثر جدية في تقييم هذا الواقع.
إن الإنجاز الفعلي يكمن في مردود مخرجات البحث العلمي على الاقتصاد الوطني، في هذه المرحلة بالذات، إذ يجب أن يتسم الإنفاق البحثي بالكفاءة المطلوبة لتحقيق أهدافه، وذلك بوجود استراتيجية فعالة للبحث العلمي، تعنى بتنظيم جهود المؤسسات والمراكز البحثية، وتضمن أقصى استفادة للجامعات السعودية من شراكاتها البحثية مع أكبر الجامعات العالمية، كما تضع مساراً حقيقياً لضمان انعكاس مخرجاتها على حياة الناس بما فيه مصلحة التنمية المستدامة للمجتمع وللوطن بشكل عام.
- نايف العلياني