علي الخزيم
أطلق الفارس العربي اللامع والشاعر المُفَوَّه المبدع عنترة العبسي شعاراً ما زال يسطع ويُنير الطريق لكل من يترسَّم خطى الأوائل الأفذاذ وأخلاقهم عند النصر والهزيمة، وكيف كانت نفوسهم وهممهم العالية تقدمهم لمجتمعهم العربي والأمم من حولهم، فلم يُعرف عنهم البطر بعد النصر، ولا الحقد عند الهزيمة والانكفاء على أنفسهم، فروسيتهم وروحهم الرياضية تأبى أن تنحدر بهم إلى درجات أقل مما تربّوا عليه من الآباء والأجداد ممن علَّموهم أخلاق الفروسية العربية السامية بشَمَمِها وعلو شأنها، ماذا قال لنا شاعر المُعلّقات والحكمة والخلق الرفيع عنترة، وما هي الدروس والمضامين بهذه الدرر:
(لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ
ولا ينالُ العلا من طبعهُ الغضبُ
والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي
والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ).
ويؤكّد لعشيقته عبلة (العشق من أعلى درجات الحب) فخره بالتحلِّي بنواميس العرب وأخلاق فرسانهم ما يعني سمو عاطفته ونزاهتها، وما يبرهن على أن فرسان العرب لم يستثمروا شجاعتهم وبراعتهم بالقتال والطِّعان لإظهار أنفسهم ورفعها فوق أعراف القبيلة والجماعة، ولم يطلبوا من خلالها أمراً لا يدركه غيرهم، عَدُّوا أنفسهم خادمين للأهل والقبيلة واندرجوا كغيرهم بحساب الأفراد، هم لم يطلبوا هذا الصِّيت والسمعة من لا شيء؛ بل جاءتهم تتهادى نحوهم لأنهم أهل لها وهم أصحابها، ومع كل ذلك لم يرفعوا أنوفهم على الغير، ولم تشط بهم أفكارهم بعيداً عن فضاءات الأهل والعشيرة، يتواضعون متى كان للتواضع موضعاً، مثابرين على ترويض الأنفس ونبل الفرسان، يقول بهذا المعنى:
(يُنْبِئُك مَنْ شَهَدَ الوَقيعَةَ أنَّنِـي
أَغْشى الوَغَى وأَعِفُّ عِنْد المَغْنَـمِ)
ومما قيل في معنى (العنترة) أنها حسن السلوك عند الشدائد والشجاعة بالحرب، وعليه فإن تسمية فارس العرب جاءت مطابقة لسلوكه كغيره من فرسانهم الأفذاذ قبل الإسلام وبعده، وعلى خطاهم يمكن أن يخطو فتيان العرب، ومن سجاياهم ينهلون، وما يشاهد أحياناً من فئة قليلة من الشباب أثناء المنافسات الرياضية عند الانتصار أو الهزيمة لا ينبئ عن هذه المعاني العربية الأصيلة، ولا يتماهى ويتمازج مع مضامين ومفاهيم الرياضة، الرياضة التي تمارس الآن تحمل كثيراً من معاني الفروسية، فالتنافس لا يعني التنافر والتنابز والعدوان على كرامة وحقوق الآخرين، ولا يعني الحقد والبغضاء التي تُصب أحياناً على الفريق المفضّل لمجرد أنه أخفق يوماً ما، ولا يجوز بحال من الأحوال التعرض لقيادات الأندية ورؤساء الفرق واللاعبين بأي مكروه كالقذف اللفظي أو بمواد توجَّه نحوهم تعبيراً عن السخط عليهم، فإن كانوا قصّروا فهذا مكانه الحوار والنقاش والمعالجة الحكيمة من لدن أصحاب الحل والعقد بالأندية وهيئة الرياضة واتحادات الألعاب، وليس من حق مشجع أن يتهجم على المنافسين سواء بحالة الانتصار أو غيرها، والآراء يمكن طرحها بمنصات الحوار بكل أدب ورقي واحترام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذه الطريقة ستجد صدىً جيداً من أصحاب القرار.
يا فتيان الوطن كونوا فرسان العصر وعماده الراسخ لمستقبل زاهر بعون الله للجميع.