المرء في هذه الحياة يحتاج إلى أدوات لكي يثقف عقله ويغذيه بالمعارف والمهارات والعلوم المكتسبة وتتولد مع تلك المقارنة فوائد عديدة وخبرات مختلفة وقد أوضح الباري عزَّ وجلَّ في محكم كتابه الكريم في آيات عدة أن الإنسان من خلال التعّلم والملاحظة ورؤية سنن الله تعالى وآياته في الخلق يظل قادراً على تحسين مستواه العقلي - كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (73) سورة البقرة.
فقد أثمرت هذه النظرة إلى أهمية المعرفة بالنسبة إلى العقل فقد اندفع المرء سريعاً نحو طلب العلم والمعرفة إلى جانب البذل تجاه الركائز الأساسية التي تفيده في طلب المعرفة مع أن إدراك العقل مسور بالمدارك التي يلامسها عن طريق الحواس ولذا فإن الأعمى لا يدرك كل ما يدركه المبصر والأصم لا يدرك كل ما يدركه سليم السمع، فالمرء قادر على تحصيل المعرفة ولو كان في جزيرة منقطعاً عن المجتمع وعن الحياة كما قال «ابن سينا» إنه قادر على أن يكون إنساناً بمجرد كونه يملك عقلاً ولو كان معلقاً في الهواء دون أن يلامس أيِّ شيء من عالم الحس فإن المعرفة كلمة لها مدلول في الفهم وأداة في المعنى ولها تعريفات عديدة بحسب موقعها من سياق الحديث ولها دلالاتها التي تميزها بأبعادها المعرفية وامتداد مساحتها العلميَّة فقد اتسع مفهومها في هذا العصر فأصبحت تنمو بالتحصيل العلمي والتّقدم المعرفي فقد تجاوزت كافة أسوار المعرفة إلى عدة ميادين متعددة فإن المعرفة كلمة تلامس الفكر فتنيره وتعبر عنه وتؤطر الصورة التي تدل على شتَّى أنواع المعرفة التي تستطيع أن تستقر في الذهن وبعد ذلك يتمكن من التعبير عن مشاعره الذاتية ومداركه الثقافية والعلميَّة بأسلوب المتعلم وبذلك استطاع توظيف ما تم التوصل إليه.
فإن ممارسة تطوير العقل بالمعرفة يهدف إلى تحقيق الفوائد المثلى في شتَّى العلوم ويُعدُّ في نفس الوقت عملاً وجدانياً وعقلياً ضرورياً يحتاج إليه العقل وهذا ما يدفع المرء إلى إتقان كل معلومة بشكل تمتزج فيه اللُّغة المقروءة والمسموعة والمنطوقة فهو يستمد قوته وفاعليته من النصف الأيسر من الدِّماغ الّذي يعبر عنه بالنصف الناطق.
أما التخيل والتصور كونه عمليَّة ذهنية تصورية لا تستعين كثيراً بمنظومة اللُّغة المنطوقة بل بلغة الإشارة فإنه يستمد حيويته وفاعليته من النصف الأيمن من الدِّماغ البشري يعمل كوحدة متكاملة تنتقل المعلومات والأفكار منها بين النصفين بشكل دائم ومتداخل ومتكامل.
فالمعرفة لمن سعى إليها فإنها بمثابة صك الامتياز في كل زمان ومكان حيث تقوده إلى مستويات علمية متماسكة ومترابطة الحلقات ومتتابعة المستويات فإن الفرد يجد نفسه أحياناً قادراً على تحقيق الحقائق لكل ألوان الحياة ومناشطها حيث إنها تدعم المرء إلى مدارج الرقي وتسمو به وبدونها يفقد مكانته ودوره في المجتمع، علماً أن المعرفة تتجدد بمزيد من العطاء كما تنمو بتنوع الروافد العلميَّة والثَّقافية فهي فاعلة في تكوين الفكر وتجعل الفرد ينشد المعرفة للارتقاء بمستواه العلمي والثقافي.
حيث إن الأمم التي أقامت الحضارات قديماً وحديثاً صنعتها المعرفة وارتقت بها نحو القمم الشامخة العالية فالإنسان الذي لا يعمل على توسيع مداركه ودائرة معارفه يظل حبيس أميته حتى لو حصل على أعلى المؤهلات العلميَّة إذا لم يطور نفسه علمياً وفكرياً وثقافياً وأدبياً ودينياً واجتماعياً.