محمد المنيف
من أهم ما يتكئ عليه النقد هو المعرفة المسبقة والطويلة والدقيقة لمسيرة الفنان وتجاربه، مع الاحتفاظ بالأسس العلمية للنقد أو الخبرات والثقافة التي يمتلكها الناقد، يُضاف إليها ما علق به أحد النقاد الأوائل بأن على الناقد دراسة تجربة من يعتزم نقد أعماله، أو قراءتها وتقديمها للمتلقي، أو تقييم وتقويم تجربته، كما يتابع نجارًا يصنع كرسيًّا، بدءًا بجلب الأخشاب من الغابة مرورًا بالأخطاء التي يتعرض لها وكيفية معالجتها وصولاً إلى اكتمال العمل.
هذه المعلومات التي يجب أن يلم بها الناقد هي الأهم في وضع المعايير النقدية، وهي المرتكز الذي ينطلق منه دون إحداث أي خطأ، ينتج من مبالغة في مديح أو تقليل من جهد يبذله الفنان حينما يكون النقد عابرًا ومجاملاً، يقدمه الناقد في معرض فردي، أو مشاهدته أعمالاً في معرض جماعي، يراها لأول مرة، دون علم بتجارب صاحب المعرض الفردي أو صاحب اللوحة في معرض جماعي لمجرد أنه أُعجب بها، أو لأنه غير راضٍ عنها بناء على لحظة عابرة، ولم يكن لديه فكرة عن مسار تجارب هذا أو ذاك.
هذا النقد من أناس يحاولون الغوص فيه رغم شعورهم بالافتقار إلى أدوات الغوص علمًا أو خبرات أو حتى دراية بتاريخ من يشاهد لهم هذا الناقد لوحة أو منحوتة.. ومن المؤسف أن هذا النقد العابر الذي يقذف به من يدعي النقد يأتي بناء على رغبة الفنان في سماع الآراء ولو من غير مختصين في النقد والتحليل والتقييم، ومن ثم تقديم المشورة الحقيقية التي ينطلق منها المبتدئ، أو يعيد بها الفنان صاحب الخبرات الطويلة توازنه في حال رغبته في أن يسمع مشورة من مؤهل للنقد عالِم بتجربته متابع له.
هذا السؤال الذي يطلقه المبتدئون خصوصًا لمعرفة الرأي حول تجاربهم الأولية يقعون به في مصيدة النقد الانطباعي المغلف بالمجاملة والتشجيع، وأحيانًا الهروب من عدم القدرة على قول الرأي الصحيح؛ فكان مثل هذا السؤال من الأجيال الشابة وما تلقوه من إشادة خادعة من أناس توقَّع أولئك الناشئة أنهم متمكنون من النقد والرأي الصائب سببًا في التراجع في واقع الفن التشكيلي، وبروز أعمال هابطة في الفكرة وسيئة التنفيذ.