د. خالد عبدالله الخميس
نشرت جريدة الجزيرة في عددها 15889 الصادر بتاريخ 21 جمادى الآخرة 1437 مقالة لي والدكتور أحمد الشايع أثارت ردود فعل متنوّعة في بعض الدوائر الأكاديمية على المستويين المحلي والعربي، إذ تناقل هذه المقالة موقع مكتب التربية العربي الخليجي ومواقع بعض الجامعات العربية إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد دعت المقالة إلى ضرورة إضافة الكليات العلمية كمظلة ثالثة لأقسام ومسارات علم النفس وعدم قصرها على الكليات الأدبية أو التربوية تسنياً بما هو معمول به في الجامعات المعتبرة للدول المتقدمة والتي تمنح طلابها وطالباتها ثلاثة أنواع من درجة البكالوريوس في علم النفس: إما بكالوريوس تربية B.E أو بكالوريوس آداب B. A أو بكالوريوس علوم B.S، ولفتت المقالة المذكورة النظر إلى أنه في عالمنا العربي يوجد تغييب كامل لشهادة بكالوريوس العلوم في علم النفس B.S in Psychology عدا ما استُحدث أخيراً في جامعة الأميرة نورة.
وباستعراض الكليات التي تقع تحت مظلتها قسم علم النفس في الجامعات البريطانية وجد أن ما نسبته 58 % ينتمي للكليات العلمية (العلوم/ العلوم الصحية/ العلوم الطبية/ أو علوم الحياة). كما توجد عدة أمثلة لجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية تمنح درجة بكالوريوس العلوم وبكالوريوس الآداب في علم النفس كجامعة ليهاي Lehigh على سبيل المثال. ونحن هنا نشدد على أن الهدف من المطالبة باستحداث قسم علم النفس ضمن الكليات العلمية هو للتركيز على الجوانب العملية والتدريبية ومهارات التشخيص والعلاج والبحث مع تكثيف العمل على الجوانب المعرفية والعصبية والحيوية مما يزيد درجة تأهيل المتخرّجين ناهيك عن إيجادهم لفرص قبول لإكمال دراساتهم العليا في الجامعات العالمية.
في أمريكا على سبيل المثال نجد أن الحصول على مقعد لإكمال الدراسات العليا داخل هذا القسم يندرج تحت قسمين: قسم يمنح ماجستير الآداب M.A في علم النفس الإكلينيكي، وهذا القسم يركز على الجوانب النظرية بصورة كبيرة? وقسم يمنح ماجستير العلوم M.S في علم النفس الإكلينيكي والذي يركز على الجوانب العملية والتدريبية ومهارات التشخيص والعلاج إضافة للجانب النظري وهذا النوع الثاني هو الذي يصعب على الطلاب العرب بوجه عام الحصول على قبول فيه.
واستناداً لرأي أحد الخبراء? يذكر الدكتور حسين الهلال - الرئيس السابق لقسم علم النفس بجامعة الملك سعود- أنه أثناء مقابلته للبروفيسور جوزيف فيراري Joseph Ferrari أستاذ علم النفس بكلية العلوم بجامعة دي بول الأمريكية وذلك في مناسبة انعقاد الندوة الإقليمية لعلم النفس، أن البرفيسور أبدى استغرابه لوجود قسم علم النفس تابعاً لكلية التربية. وفي هذا إشارة إلى أن وجود قسم علم النفس تحت مظلة كلية التربية يعني اقتصار رسالته على مواضيع تربوية وتعليمية، الأمر الذي يحد من تطوير وتطبيقات علم النفس الممتدة.
واليوم نشهد في السعودية حراكاً لتغيير رتابة المؤسسات الحكومية لما يهدف لإعادة هيكلتها لتصبح أكثر فاعلية وسمي هذا الحراك بالتحول الوطني الذي سيشمل جميع القطاعات بما فيها قطاع التعليم. أضف لذلك أن وزارة التعليم بذاتها أوعزت لجميع كليات التربية بالجامعات السعودية للحد من خريجيها أو إيقاف القبول فيها وذلك بسبب التكدس المتراكم للخريجين لعشرات السنوات. وعليه فإن أقسام علم النفس بهيكلها القديم تجدها فرصة سانحة للخروج من هيمنة كليات التربية وأن تستحدث هيكلاً جديداً مستقلاً بذاته، كأن تكون كلية مستقلة أو قسم مرتبط بالكليات العلمية بحسب ما هو معمول به في جامعات الدول المتقدّمة. إن برنامج التحول الوطني سيساعد بلا شك في تطوير أقسام علم النفس بشكل جذري كونه مصدراً للقوة الدافعة لعجلة وتسارع التغيير قدماً دون أن يعطل العجلة سلسلة من الاجتماعات والنقاشات والورش البيروقراطية.
في الختام: إن المطالبة بنقل بعض مسارات علم النفس تحت لواء الكليات العلمية هي لأجل تجويد هذه المسارات وتحسين مخرجات علم النفس، وإن تأخير مثل هذا الإجراء هو تعطيل لتطوير أقسام علم النفس في جامعاتنا وتأخير لإيصالها للعالمية.