د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قام النظام الإيراني بثورته على أكتاف الشباب، آملين في ذلك الوقت أن يكون مستقبلهم أكثر ازدهارا، وقد ربط النظام أمل المستقبل بأيدلوجيا مذهبية، ووعد خلالها أنها المخلص والضامن للمستقبل المشرق، وبهذا الأمل الوهمي تدفق الشباب في الشوارع، يدفعهم الحماس الإيماني وتغذيهم أشرطة مسجله آنذاك، لأنها كانت الوسيلة المتاحة، لاستنهاض همم الشباب، والدفع بهم إلى التضحية، وظلوا كذلك أياماً ومات الكثير، وبقوا صامدين حتى تحقق لهم المراد، بعد عناء كبير، وارتفع سقف الأمل لعل وعسى، وما لبث النظام أن زج بهم في حرب طويلة مع دولة جارة، فكانت حرباً ضروساً أكلت الأخضر واليابس، وأصبحت الدماء منظراً مألوفاً لدى الجانبين، وبعد سنين حلت الهزيمة بالنظام الإيراني، بعد أن كان ضامناً للفوز لا محالة. وهكذا ذهبت صفوة الشباب الإيراني في سبيل نظرة النظام الإيراني إلى التوسع الإيدلوجي المذهبي الذي يخفي تحته هدفاً عنصرياً، وبعد ذلك تبين للشباب الإيراني آنذاك أن ما كان يصبو إليه من حرية ونجاح وحياة كريمة، لم تكن سوى سراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء.
كان صبر الشباب الإيراني في ذلك الوقت كبيراً وطويلاً، والأمل ظل يساوره لا سيما أن النظام كان يمنيه، ويدعوه الى الانتظار على أمل بلوغ المراد الزاهي الجميل، وعندما طال الأمد، أخذ التململ يسكن في قلوب الشباب، وما لبث أن أخذ بعداً آخر، فثار الشباب هنا وهناك، لكن النظام واجهه بكل قسوة وشدة وعدم تسامح، فسكن قليلاً ثم عاد ليطالب بما كان قد قام من أجله لكنه لم ينل شيئاً، بل زاد النظام تسلطاً وجبروتاً واستمر الحال وضرام النار يطل لهبه بين التارة والأخرى، وما أن تبدأ النار بالاشتعال حتى تواجه بالقمع، وعدم الرحمة.
بعد وفاة مؤسس الثورة ورمزها ومغذيها، وراسم آفاقها غير السليمة، أطل الأمل مرة أخرى، وتباشر الرجال خيراً، بعد أن تقدموا في العمر وتجاوزوا مرحلة الشباب، وبدا جيل جديد من الشباب يحمل طموحاً أكبر، وأملاً أوسع، وأصطف مع أولئك المعاصرين للخميني بنظامه الذي لم تجني منه إيران وشبابها سوى القتل، والدمار، وفقد الأمل، وبؤس الحياة .
وجاء خلفاء الخميني، حاملين ذات الشعار، ومرددين تلك الاهازيج، ورافعين سقف الأمل، وانتظر الشباب برهه لعل وعسى أن يكون الجديد أفضل من سابقه حتى بمرحلة بسيطة لكن الحال، لم تتغير بل زادت سوءًا، فاختفى الأمل، لكن الجيل الجديد من الشباب جاء معاصراً لتقنية التواصل الحديثة، وأنماطها المختلفة وتقنياتها العجيبة، فتوسعت المدارك وأزداد التواصل، وأخذت النوافذ التي يطل منها الشباب أكثر عدداً وأوسع مساحة، ومن خلالها عرف ما ينعم به العالم من حريات، وما يعيشه من رغد عيش، فأخذ يطالب بالتغيير، ويتطلع إلى مستقبل مشرق مقارب لما تنعم به دول كثيرة، وأخرى مجاورة مثل المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وغيرها، وحاول بشتى الوسائل أن يوصل رسالته الى قيادات النظام الذي لم يصغ إلى مطالبهم، رغم أن أصواتاً في النظام ذاته أخذت تصارع بعضها بعضاً لاختيار الأسلوب الأمثل لاحتواء الشباب، وكانت الغلبة دائماً للتيار المتشدد الذي ينوره المرشد، وسار النظام على نهجه غير السليم ضارباً بمطالبهم عرض الحائط، ورافضاً لأي تغيير، يمنعه من التدخل في الدول المجاورة، وإنفاق الأموال الطائلة على أذرعه المنتشرة في كثير من الدول المجاورة وغير المجاورة، في الوقت الذي يعيش فيه الشباب الإيراني تحت ظل شظف العيش والبؤس والحرمان، ونقص الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنى التحتية الأخرى.
والعالم اليوم مجمع على أن النهج الإيراني للنظام المخالف لمتطلبات الشباب لن يستمر أبداً.