زكية إبراهيم الحجي
أمة تفقد هويتها تصبح بلا محتوى فكري أو رصيد حضاري.. وإذا أضاعت أي أمة لسانها أضاعت تاريخها وحضارتها.. حاضرها ومستقبلها.. لذا لا يمكن الحديث عن اللغة دون الحديث عن الهوية.. ولا يعد الحديث عن الهوية واللغة ترفاً فكرياً أو جدلاً فلسفياً بل هو أمر جاد لاستمرار الثبات على قيم الانتماء والتأكيد على تعزيز مفهوم الاعتزاز بلغتنا العربية كلغة حضارية معبرة عن هويتنا وقادرة على التعاطي مع محددات العصر.. وتجاوز أي تحدٍ يواجه ربط اللغة بالهوية وإثبات الذات.. فإذا كانت الهوية تتمحور دلالاتها حول الذات وماهيتها فإن اللغة مصداق للهوية ونسغ حياتها.. بل هي بمثابة بوتقة تجمع التراث والفكر والثقافة لأي مجتمع.. وما من حضارة إنسانية إلا وصاحبها نهضة لغوية
ولأن غلبة اللغة بغلبة أهلها ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم كما يشير «ابن خلدون» فإن أي صراع تتجاذبه الهوية من جهة واللغة من جهة ثانية قد يهددهما معاً وربما أدى ذلك إلى تقوية الأنساق اللسانية الأجنبية على حساب النسق اللغوي العربي وهذا هو الخطر الأكبر إذا لم ننتبه إلى ذلك
ولأن المرامي في سياسة العولمة التي تسود العالم تهدف إلى تنميط الشعوب وقيمها وعاداتها وتقاليدها وفق معاييرها التي تبنتها والقائمة على صياغة هوية شمولية تفرضها على واقع الشعوب والدول في إطار مزيف من الإجماع المفروض بالقوة فإن ذلك يفرض علينا جميعاً صياغة أسلوب مناعة ضد التحدي الأكبر لهويتنا ولغتنا العربية كي لا نذوب في ثقافة غيرنا.
إن أي تصدع في جدار الانتماء ينتج عنه تصدعات واسعة في جدران اللغة والهوية والمكان.. وأقصد بالمكان البيئة الأسرية والمجتمعية وشرخ مثل هذا قد يؤدي إلى أن يعيش أبناؤنا حالة من الانسلاخ العشوائي عن الانتماء إلى هويتهم ولغتهم العربية مع العلم بأن مشاهد من ذلك حاضرة اليوم في مجتمعنا.. فمما يبعث على الأسى أن نجد من يتباهى بإجادة ابنه للغة مخالفة للغته الأم مقابل عدم اكتراثه بضعفه في اللغة العربية.. ومن الآفات التي تواجه لغتنا العربية أن استخدام اللغة الأجنبية أو بعض مفرداتها لم يقتصر على الأفراد بل تجاوزهم حتى طغى على لافتات المحلات التجارية والمطاعم وكأن سمعة المحل لا ترقى إلا باستخدام اللغة الأجنبية بل إن براهين ضعف اللغة العربية حاضرة في مدارسنا وجامعاتنا حتى وسائل التواصل الاجتماعي كانت خير شاهد على ضعف المهارات الإملائية وركاكة الأسلوب عند الكثير.. فهل اللغة العربية تواجه في حاضرنا مأزقاً يُضعِف المعيار الدقيق لحفظ الهوية وإثبات الذات.. وهل مأزقها أبناؤها أنفسهم.. سؤال يحتاج إلى إجابة شافية.