خالد بن حمد المالك
كنا نحتاج منذ زمن إلى ما يعمِّق الشعور بالمواطنة، وذلك بالإعلان عن مزيد من الإجراءات والقرارات غير التقليدية. وكانت المملكة من قبل مكبلة وغير قادرة على تجاوز ملفات الإحباط والتخلف والفساد لعدم وجود قرارات جسورة وشجاعة وغير مألوفة، تنظِّم مستقبل البلاد على نحو ما شهدته المملكة في الفترة الزمنية القصيرة الماضية.
**
لكن المجاميع التي كانت لا تتوقف عن إصدار إشارات وإشاعات مشككة في أي خطوة تجديدية، تبلغ بها البلاد خطوات إلى الأمام، هي ذاتها التي تخاف من أي تغيير؛ لأنه لن يكون لها موقعٌ في خارطة هذا التوجُّه الإصلاحي إذا ما أُقرَّ وصدر به أوامر ملكية؛ فيأتي صوت المثبطين عاليًا في ثني الناس عن التأييد لما يجري من حراك يقوده الملك وولي العهد.
**
لكن المشاعر الكثيرة المؤيدة التي رافقت كل خطوة من خطوات تجديد صورة المملكة وعمقها، وتأصيل تاريخها، وحفظ الحق لكل من خدمها، بدءًا من المؤسس والملوك، وامتدادًا بالأمراء والمواطنين، أضعفت إلى حد كبير - وربما نهائي - أصوات مَن كانوا يطلقون على أنفسهم صفة المعارضة، بفضل إيجابية التنظيمات والتعيينات ومحاربة الفساد، وفتح النوافذ لاستنشاق هواء هذه القرارات الإيجابية المهمة.
**
مثل هذه القرارات والتنظيمات، والبدء بالإصلاحات، بدءًا من قمة الهرم، والتعامل مع متطلباتها على قدم المساواة مع جميع المواطنين دون تمييز، لم تأتِ بها عوامل المصادفة، ولم تصدر دون دراسة متعمقة، ولم تكن حالة أملتها ضغوط داخلية أو خارجية، لكنها كانت من بنات أفكار الأمير الشاب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مدعومًا من الملك، ومن المواطنين.
**
تأتي هذه الموجة من الإصلاحات - كما وصفها ولي العهد - كجزء من العلاج بـ»الصدمة» التي تعد ضرورية لتطور الحياة الثقافية والسياسة في المملكة، دون وجود فساد وتطرف، معتمدًا سموه - فضلاً عن دعم الملك - على ما يحظى به من دعم شعبي، ليس فقط من قِبل الشباب القلق، وإنما أيضًا من أفراد العائلة المالكة؛ فالتغييرات تعد - كما وصفها الأمير - جوهرية لتمويل تنمية المملكة، ومكافحة أعدائها، وتحديدًا إيران.
**
يصف ديفيد أغناتيوس من «واشنطون بوست» واسعة الانتشار في لقائه بسمو ولي العهد للمرة الثالثة بأنه شاب عنيد، اعتمادًا على ما قاله الأمير بأن حملته على الفساد كانت مثالاً للعلاج بالصدمة التي تحتاج إليها المملكة بسبب الفساد المستشري، وأن المملكة لن تتمكن من تحقيق أهداف الميزانية دون وضع حد لهذا النهب.
**
يقول الأمير: لقد كان الأمراء الفاسدون قلة، ولكن الجهات الفاعلة السيئة حظيت باهتمام أكبر، وقد أضرت بقدرة العائلة المالكة. وإن معظم من اتُّهموا من أمراء وغيرهم يدركون أنهم ارتكبوا أخطاء كبيرة. ويضيف الأمير من جهة أخرى: لقد كانت الصدمة ضرورية أيضًا لكبح التطرف.. وإنها محاولة لإعادة تطبيق الممارسات التي طُبّقت في عصر النبي محمد.
**
حاول الأمير في لقائه الصحفي - بصراحته المعهودة - أن يشرح للناس الهدف من التغييرات التي أُعلن عنها هذا الأسبوع بأوامر ملكية، بالقول إنها جهود لتوظيف الأشخاص أصحاب الطاقة العالية الذين يستطيعون تحقيق أهداف العصرنة.. مضيفًا بأننا نريد العمل مع الطموحين؛ وهذا يفسِّر ويجيب عن التساؤل: لماذا كل هذا العدد الكبير من التعيينات؟
**
الأمير محمد بدد الأوهام، ورفض المخاوف التي تعتري البعض في أمريكا بشأن خوض سموه صراعات على جبهات كثيرة، وقيامه بالمخاطرة في كثير من الأحيان، مشيرًا إلى أن اتساع وتيرة التغيير وسرعتها يعتبران ضروريَّيْن للنجاح، دون أن يغفل أن هناك في داخل المملكة بعض المعارضين المحافظين بشكل خفي، لكن استطلاع شركة (إبسوس) أظهرت أن 74 % كانوا متفائلين بشأن المستقبل، وأن أكثر المخاوف كانت من ارتفاع الأسعار والبطالة والفساد.
**
ولي العهد وهو يمسك بحقيبة وزارة الدفاع طمأن المواطنين بأن ما تم من إجراءات بشأن الوزارة هو من أجل الحصول على نتائج أفضل للإنفاق على الوزارة؛ فهي حاليًا تمتلك رابع أكبر ميزانية للدفاع في العالم، وهي أيضًا في المرتبة ما بين الـ20 أو الـ30 في قائمة أفضل الجيوش في العالم؛ ما يعني أن إعادة هيكلة الوزارة، وتعيين عدد من القادة العسكريين الجدد في قيادة قطاعات القوات المسلحة، إنما هو من أجل أن تكون لدينا قوة عسكرية ضاربة، لا تشجع الأعداء على المغامرة باختبار قوتنا، أو التفكير بالاعتداء علينا.