فضل بن سعد البوعينين
قد يحتاج القلب المتوقف عن النبض إلى صدمة عنيفة تعيده للحياة من جديد؛ وأحسب أن المنظومة الحكومية والرقابية المحلية كانت في أمس الحاجة إلى صدمة إصلاحية مفاجئة تعيدها إلى جادة الكفاءة والنزاهة وإحداث التغيير الإيجابي في الجوانب الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والعسكرية؛ وهذا ما حدث بالفعل خلال العام الماضي.
في حديثه لصحيفة الـ «واشنطن بوست» وصف الأمير محمد بن سلمان؛ ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع؛ الإصلاحات المنفذة في السعودية بأنها «جزء من العلاج بالصدمة الذي يعد ضرورياً لتطوير الحياة». قد يحقق خيار «الصدمة» وتتابع الإصلاحات بشكل سريع ومنضبط التحول الإيجابي الذي يبحث عنه الجميع؛ فجيوش البيروقراطية والفساد ربما أفشلوا المواجهة البطيئة؛ أو التقليدية التي اعتادوا عليها من قبل؛ وبخاصة في جهود مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة. تشعب الفساد وانتشاره بشكل عمودي وأفقي يجعل من استئصاله؛ دون استئصال خلاياه المتمترسة في بعض الوزارات والهيئات؛ والتي كانت تشكل خط الدفاع الآمن للفاسدين؛ أمراً مستحيلاً. صدمة الفساد مكنت الدولة من استرجاع ما يقرب من 400 مليار ريال؛ بخلاف الهدف الأسمى؛ وهو تعزيز النزاهة في الوزارات والمؤسسات والقطاع شبه الحكومي؛ ووقف التجاوزات المسؤولة عن هدر الميزانيات المالية ونهبها بطرق منظمة وغير مسبوقة. لذا شدد الأمير محمد بن سلمان في تصريحاته على أن تحقيق أهداف الميزانية لن يتم «دون وضع حدٍ لهذا النهب».
صدمة الإصلاحات الإدارية لا تقل أهمية عن صدمة مكافحة الفساد؛ فمن المستحيل لأي دولة المضي قدماً في إصلاحاتها دون توفر أجهزة حكومية قادرة على حمل أعباء الإصلاحات العميقة؛ تتميز بالكفاءة البشرية والقيادية؛ ولديها الطموح والإيمان التام بأهداف رؤية المملكة المستقبلية. لذا وصف ولي العهد التغييرات التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين يوم أمس الأول بأنها «جهود لتوظيف الأشخاص أصحاب الطاقة العالية الذين يستطيعون تحقيق أهداف العصرنة»؛ وإحداث نقلة نوعية سياسية، اقتصادية، أمنية ومعيشية تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة.
ولعلي أستشهد بإعادة تنظيم وزارة الدفاع وموافقة خادم الحرمين الشريفين على وثيقة تطويرها وفق رؤية تطويرية وإستراتيجية تهتم بالجانب التشغيلي، والهيكل التنظيمي والحوكمة والموارد البشرية وما تضمنته تلك الرؤية الإستراتيجية من تغييرات بشرية كجزء رئيس من متطلبات تحقيق الأهداف المرسومة. إعادة تنظيم وزارة الدفاع سيسهم في تعزيز الكفاءة؛ وفصل الصلاحيات؛ ووقف التداخلات المضرة بالعمل المؤسسي؛ وتطبيق الحوكمة الفاعلة بشقيها الإداري الصرف؛ والقضائي العام. أهمية سرعة اتخاذ القرار بعيدا عن البيروقراطية تحتاج دائماً إلى منظومة إدارية كفؤة بصلاحيات معلنة ومحترمة في آن؛ وهذا ما أعتقد أنه جزء من أهداف إعادة التنظيم.
قد يعتقد البعض أن تعيين مساعد لوزير الدفاع للشؤون التنفيذية من الأمور الاعتيادية التي تتضمنها إجراءات التغيير الاعتيادية؛ إلا أن التدقيق في تخصص المُعين؛ والقطاع الذي كان يعمل فيه؛ يرسم لنا صورة مغايرة للاعتقاد التقليدي. فوزارات الدفاع الحديثة لم تعد مسؤولة عن الجيوش والعمليات العسكرية التقليدية فحسب؛ بل أصبحت مسؤولة عن التقنيات العسكرية الإلكترونية المهمة في بناء منظومة دفاعية متكاملة؛ وأكثر حاجة للتنفيذيين الأكفاء. تحتل الاتصالات التقنية بأنواعها جانباً مهماً من مسؤوليات الدفاع الحديث؛ لذا نسمع عن الجيوش والهجمات الإلكترونية المتسببة في شل حركة الدول المستهدفة؛ وأنظمة الدفاع والتوجيه الإلكترونية؛ وغيرها من التقنيات الحديثة التي تتطلب وجود كفاءات شابة ملمة بها؛ وقادرة على تطبيقها أو اقتنائها وإدارتها محلياً.
حديث الأمير محمد بن سلمان الأخير يؤكّد على أن المملكة ماضية في إصلاحاتها النوعية للوصول إلى الأهداف المرسومة التي تضمنتها رؤية2030؛ ونسأل الله أن يوفّق القيادة وجميع المسؤولين لما فيه خير البلاد وصلاح العباد.