اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
للأسبوع الثالث على التوالي تخصِّص قناة الفتنة القطرية برنامجها الأسبوعي (للقصة بقية)، الذي تقدمه السيدة فيروز زياني مساء الاثنين من كل أسبوع، لحشد أكبر كمٍّ ممكن من الأكاذيب والافتراءات والإدعاءات ضد أرض الحرمين الشريفين، مهبط الوحي ومنطلق رسالة الأمن والأمان والإيمان والاستقرار والسلام للعالم أجمع؛ والسب والشتم لقادتها الأبطال الأشاوس الأفذاذ.
وفي كل مرة كان الواجب يناديني لتفنيد تلك الإدعاءات والافتراءات والمغالطات الرخيصة المكشوفة، والمعلومات المصطنعة المضللة، التي ليس لأي متابع مهتم بالسياسة والإعلام أدنى شك في أن قناة الفتنة هي التي تُعِدُّها سلفاً في مطبخ تآمرها، ثم تبحث عمَّن يبيع ضميره ومبادئه، وما أكثرهم هذه الأيام للأسف الشديد، فيتبنى وجهة نظرها بالظهور على شاشتها وهو يتلعثم تارة، ويشرد بذهنه تارة أخرى بحثاً عمَّا تم تلقينه له، فتسارع مقدمة البرنامج لتذكيره بما اتفقا عليه خلف الكواليس من دسائس.
وإذ تعرض قناة الفتنة في حلقتها الثالثة اليوم الاثنين 3-6-1439هـ، الموافق 19-2-2018م، هذه المرة لتشويه دور أرض الحرمين الشريفين وقيادتها تجاه اليمن الشقيق، في إصرار مستميت لتزوير الحقائق، ترسيخاً للفتنة وغرساً لأسباب الشقاق والخلاف بين العرب والمسلمين، خدمة لأجندة بني صهيون وأعداء العروبة والإسلام في كل مكان؛ الأمر الذي تجلَّى في أوضح صورة أثناء دور قناة الفتنة القطرية الخبيث في إشعال فتيل ما عُرِفَ بـ(الربيع العربي)، الذي يصفه محدثكم دوماً بـ(الخريف العربي الشاحب)؛ لما أصاب الأُمَّة العربية بسبب إذكاء قناة الفتنة لناره التي أتت على الأخضر واليابس، أقول: إذ توغل قناة الفتنة في الخصومة واللَّجاجة، وتبلغ تلك الدرجة المزرية من الانحطاط الأخلاقي في استخدام ألفاظ سوقية ضد بلادنا العزيزة الغالية وقادتها الكرام، كان لزاماً عليَّ التصدي لوضع حدٍّ لأكاذيبها.
وعلى كل حال، أعرف أن المجال لا يتسع هنا لتأكيد دور السعودية الإسلامي العربي الأخوي البطولي النزيه المحايد، المتسامي على كل الأفكار الوضيعة الرخيصة تجاه اليمن الشقيق منذ انبثاق فجر الدولة السعودية الأولى حتى اليوم بالأرقام والإحصاءات الثابتة بالدليل والبرهان الأكيد، لا بالكذب والتلفيق، كما تفعل قناة الفتنة؛ ولهذا أكتفي بإشارة سريعة لدور المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، -طيَّب الله ثراه وجعل الجنَّة مثواه-، تجاه اليمن الذي بذل له أكثر مما في وسعه لمساعدة الإخوة اليمنيين ودعمهم لتسوية خلافاتهم الداخلية، وتنازل لهم حتى عن حقوقه المشروعة، سعياً لتثبيت حدود واضحة بين البلدين يحترمها كل طرف، بل تنازل عبد العزيز حتى عن حقَّه في تآمر اليمنيين على اغتياله في أثناء حج عام 1353- 1934م، بينما كان يطوف ببيت الله العتيق، منطلق الرسالة وحصن الأمن ورمز السلام للعالمين أجمعين؛ في حادثة مشينة مستنكرة، يدركها كل قارئ للتاريخ؛ فعل عبد العزيز ذلك كله سعياً لترسيخ السلام بين الإخوة الأشقاء في العقيدة والدم، لدرجة أن البعض في معسكره غضبوا مما أبداه من حسن نية مشفوعة بالعمل الصادق تجاه اليمن، رغبة في وأد الفتنة إلى الأبد، وبالتالي التفرغ للبناء والتعمير ونفع الناس أجمعين، قريبين وبعيدين؛ بل ذهب بعضهم أبعد فاتهمه بـ(الجبن).
وبالطبع، كان هذا نتيجة طبيعية لحماس أولئك وتواضع تفكيرهم الذي كان أعجز من استشراف رؤية عبد العزيز المتقدمة وسعة أفقه لترسيخ السلم الأهلي في المنطقة، ونيته الخالصة الصادقة في استمرار رسالته التي من أجلها استعاد تأسيس ملك آبائه وأجداده ونذر نفسه لهذه الغاية العظيمة السامية النبيلة. وإلا فكيف كان لقائد كبير مثل عبد العزيز أن يصبر على الدعوات المتكررة للتفاوض كلما اعتدى اليمنيون على بلاده أو رجاله وهددوا استقرارها، وإرسال وفده إلى العاصمة صنعاء فيبقى لخمسين يوماً من دون أن يُعَيِّن الإمام يحيى وفداً يمنياً لمفاوضة وفد عبد العزيز وأيضاً من دون أن يتيح له فرصة الاتصال ببلاده؟!.
ومع هذا لم يتحرك عبد العزيز عسكرياً إلا لردع الظلم والبغي واسترداد الحقوق السليبة بعد أن بذل كل ما في وسعه للجنوح إلى السلم، وتبين له أن ما يظهره الإمام يحيى من رغبة غير جادة في تحقيق السلم، لا يتفق مع أعماله من دعم للتمرد ضد السعودية، ومحاولاته الدائمة لإثارة القلاقل بين القبائل السعودية، وإصراره على إفشال كل المفاوضات بين البلدين مهما ارتفع سقف تنازل عبد العزيز بطل الأمن والسلام، النزَّاع للسلم بطبعه. ثم كان ما كان، إلى أن حقَّقت همَّة عبد العزيز أعظم إنجاز تاريخي بين البلدين الشقيقين: معاهدة الطائف (1353هـ- 1934م)، التي هي معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية أدت لوأد الفتنة التي تحاول قناتها عبثاً نفخ الروح فيها من جديد، وإنهاء حالة الحرب بين البلدين التي نشبت بسبب تحرش اليمنيين بالسعودية، ليسود سلم دائم وترسخ صداقة وطيدة.
وعلى درب عبد العزيز جاء أبناؤه الأفاضل الأماجد الكرام البررة، الذين تولوا قيادة قافلة الخير القاصدة بعده يسيرون على نهجه، امتداداً طبيعياً لرسالة بلادنا الطيبة المباركة وأهلها الأوفياء المخلصين، منذ عهد الملك سعود، وصولاً إلى عهدنا الزاهر اليوم بقيادة سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ملك الحزم والعزم والحسم والرأي السديد.
فلا تكاد توجد اليوم محافظة في اليمن الشقيق أو مدينة أو حتى بلدة صغيرة نائية، من شمالي البلاد حتى جنوبيها ومن شرقيها حتى غربيها، إلا فيها جامع أو مسجد أو مدرسة أو معهد أو مستشفى أو طريق أو جسر أو حتى نادٍ رياضي شيَّده السعوديون، بل وصل الأمر أحياناً لدفع ميزانية الدولة السنوية وصرف مرتبات موظفيها؛ إضافة إلى أن قادة السعودية ظلوا يبذلون كل ما في وسعهم سيراً على نهج والدهم المؤسس لإطفاء نار الفتنة والخلاف كلما أوقدها المتآمرون في الداخل أو الخارج. وذهبوا أبعد من هذا، فمنحوا الإخوة اليمنيين من دون استثناء أو إقصاء لأحد بسبب حزب أو مذهب، امتيازاً لم يحظى به غيرهم طلية التاريخ، إذ فتحوا لهم البلاد على مصراعيها ومنحوهم إقامة دائمة على كفالة الدولة وسمحوا لهم بحرية الحركة والعمل في كل المجالات ووفروا لهم حق التعليم والطبابة على حساب الدولة أسوة بإخوتهم السعوديين. واستمر هذا الحال إلى عام 1411هـ يوم الخميس الثاني من أغسطس عام 1990م، يوم احتلت جحافل صدام حسين أرض الكويت الشقيقة وهدَّدت أمن السعودية واستقرار دول الخليج، بمباركة القيادة اليمنية ودعمها السياسي غير المحدود، التي عضَّت يد الخير التي طالما امتدت إليها بالدعم السَّخي النَّدي؛ فكان قرار الفهد التاريخي الشجاع بلجم الظلم والعدوان، حماية للحمة العربية.
وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ لم يكن قائد الحزم والعزم والثبات والأمل والخير والسلام، خادم الحرمين الشريفين سيدي الوالد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، يأمر بانطلاق رياح (عاصفة الحزم) العاتية، إلا بعد أن توصَّل إلى ما انتهى إليه والد الجميع المؤسس عبد العزيز آل سعود، من استهتار الرئيس المغدور علي عبد الله صالح والحوثيين الذين تحالف معهم فغدروا به بتلك الطريقة البشعة؛ فضلاً عن استهتارهم بالمواثيق والأعراف الدولية، بعد الانقلاب على الشرعية واختطاف الدولة خدمة لأجندة الفرس.
ومع هذا، أَتْبَعَ سلمان الخير عاصفة حزمه بحملة لـ(إعادة الأمل)، فأسس مركزاً خيرياً خاصاً للجهود الإنسانية دعماً للمتضررين من الإخوة اليمنيين من حرب الحوثيين ودعم خزينة الدولة بالمليارات؛ وفتح البلاد من جديد للراغبين منهم في الإقامة بين ظهرانينا ومنحهم حقاً استثنائياً دون غيرهم من سائر شعوب العالم، فوصل عددهم اليوم لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة، يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، بل ربَّما أفضل بكثير مما لو كانوا في بلادهم... فماذا قدَّم مقرُّك يا قناة الفتنة لليمن؟!.
و بعد:
أما آن لك أن تخجلي يا قناة الفتنة من هذا الجهل بالتاريخ، والسعي الحثيث الخبيث لإضعاف الأُمَّة العربية والإسلامية، خدمة للصفوية الفارسية والصهيونية العالمية التي انتزعت الفلسطينيين من أرضهم، وزرعت كيانها الغاصب في قلب العرب، وجعلت قادتها ومسؤوليها يضحكون باستهتار حتى تبدو نواجذهم على العرب، عبر وسائل إعلامهم الرخيصة، مزهويين بقوة ردعهم التي جعلت (القومجية) العرب يصفقون ويرقصون ويوزعون الحلوى لمجرد إسقاط طائرة (إسرائيلية) يتيمة، مع كل هذا الخراب والدمار الذي ألحقته بالمنطقة، من العراق إلى تونس فالسودان، كما ظهر متحدث جيش الكيان الصهيوني مع مضيفه المعاكس في برنامجه (الاتجاه المعاكس)، في اليوم التالي لبث قناة الفتنة قصة تزوير الحقائق التي تزعم البحث لها عن بقية؛ في دليل قاطع على حق السعوديين في الإصرار على كبت قناة الفتنة ووأد شرها إلى الأبد.
وعلى كل حال، خذوها من الآخر: لن نسمح لأحد المساس بأمننا أو تدنيس ذرة رمل واحدة من ثرى أرضنا الطاهرة أو تهديد مقدساتنا أو ترويع مواطنينا الآمنين ما بقي فينا رجل واحد، كما أكد أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة. فشعب أنجب الأخ النقيب الأسد البطل الشجاع ناصر بن عبد الله بن ضويحي بن عبلان السهلي، الذي أصرَّ على إخلاء رفيق السلاح الشهيد الأخ وكيل الرقيب سعود بن مسعود الحربي، -رحمه الله وجعل الجنَّة مثواه-، في ذلك المنظر الشجاع المهيب، الذي تقشعر له الأبدان، تحت سيل جارف من وابل رصاص الجبناء العملاء الحاقدين المتآمرين، أعداء اليمن والعروبة والإسلام، الذين أمطروه برصاص تساقط حوله من كل جانب كتساقط البَرَد، على بعد سنتمترات تُعَدُّ على أصابع اليد الواحدة، وأحياناً ربَّما يكون على بعد بضعة مليمترات؛ مدفوعاً بعقيدته القتالية، ومبادئه الراسخة، وإيمانه بربِّه، وثقته في نصره، وحبه لبلاده، وإخلاصه لقيادته، ووفائه لإخوته المقاتلين.. واحتراماً لكل تلك المعاني السامية.
وبالمقابل، كان حريَّاً بالمتآمرين من الجانب الآخر، الذين تخلّوا حتى عن أبسط أنواع الخلق العربي النبيل بإطلاقهم سيل الرصاص المنهمر على بطل أعزل يحمل شهيداً على كتفه في تلك الطبيعة الجبلية القاسية، كان عليهم أن يحترموا حرمة الموت، فيخجلوا من فعلتهم الشنيعة تلك؛ فمثلهم على كل حال لا يعرف للمواثيق الدولية معنىً، فضلاً عن أن يكون قد سمع بها أساساً. لكن عليهم قبل هذا، أن يدركوا جيِّداً أن جيشاً جنوده كلهم على شاكلة الأخ البطل النقيب ناصر السهلي، لن ينكسر أبداً، ولن تلين له قناة بإذن الله. وعليه، أتمنى صادقاً أن يستوعب أولئك الرسالة، فيجنحوا للسلم طوعاً، قبل أن يُكْرَهوا عليه.
وأخيراً: أحسب إنني على يقين، لا أجدني في حاجة للدعوة إلى تكريم أخي البطل النقيب ناصر السهلي، فربَّما كرمته القيادة الوفية قبل ظهور مقالي هذا في وسائل الإعلام، إلا إنني أنتهز هذه الفرصة لدعوة المجتمع بكل شرائحه، لاسيَّما رجال المال والأعمال وسيداتهما، إلى تكريم يليق بحسن صنيع بطل جسور شجاع، أجده بزَّ السموأل في وفائه، إذ كان يدرك يقيناً إنه ربَّما فقد روحه الطاهرة برصاص الغدر والخيانة الذي كان ينهمر عليه من كل حدب وصوب بتلك الغزارة التي شاهدناها؛ لكن هذا لم يكن ليمنعه من أداء واجبه ووفائه لرسالته في حماية وطنه العزيز الغالي، أرض الحرمين الشريفين... فلك أجزل الشكر أيها الناصر، وخالص التقدير من كل الشعب السعودي، وبالطبع على رأسه قيادته الوفية، مشفوعاً بأصدق الدعاء أن يجزل الله ثوابك، ويبارك لنا في عمرك، ويدخل الجنَّة بطناً حملتك ويداً أطعمتك وهيأتك ليوم كهذا.
والحقيقة، مثلما كنت أول من تشرَّف بالدعوة إلى تأسيس صندوق دعم أسر شهداء الواجب والصدقة عن أرواحهم الطاهرة الزكية، التي روت ثرى هذا الوطن الطاهر، تلك الفكرة التي تحوَّلت اليوم إلى حقيقة ماثلة للعيان، بحمد الله وتوفيقه، ثم بدعم القيادة الرشيدة ومساندة المواطنين الأوفياء المخلصين، فشيَّدت الجوامع والمساجد، وأنشأت مشروعات السقيا داخل البلاد وخارجها، صدقة جارية عن شهداء الواجب الأبرار في كافة التشكيلات النظامية، الذين جادوا بأرواحهم من أجلنا جميعاً لكي تستمر قافلة خيرنا القاصدة إلى الأبد إن شاء الله.. أقول: مثلما كنت أول من تشرَّف بطرح مثل تلك الأفكار، أدعو اليوم الجميع، خاصة رجال المال والأعمال وسيداتهما، لرفد جهد الدولة المباركة لتأسيس (جمعية البطل النقيب ناصر السهلي لتكريم أبطال الجيش العربي السعودي)، تسارع لتكريم كل بطل يقوم بعمل استثنائي فدائي عظيم كما فعل أخي النقيب ناصر السهلي، الذي أتمنى أن تبدأ الجمعية بتكريمه قريباً جداً. وغني عن القول ضرورة إطلاق اسمه على شوارعنا ومدارسنا ومعاهدنا وحتى مساجدنا. فمهما يقدم المجتمع له ولأمثاله، وكلهم على شاكلته إن شاء الله، يظل نزراً يسيراً من كثير حقهم علينا جميعاً.. وحسناً نفعل إن شملت الجمعية تكريم جميع الأبطال الأشاوس في كافة التشكيلات النظامية، الذين يحملون أرواحهم على أكفهم للذود عن حياض هذا الوطن العزيز الغالي.. فالتحية لناصر ورفاقه الأشاوس في كل المواقع، والخزي والعار لقناة الفتنة ولمن مكَّنها.