بهيرة الحلبي
الكاتب والمفكر ورجل الدولة السعودي غازي القصيبي قالها منذ زمن: لو صرف في هذا البلد كل ريال في محله لأصبحت أعمدة الإنارة من ذهب»..
وروي عن الإمام مالك: أن التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه.
بعض الناس يحبون التباهي، يعشقون علو الشأن ووهم المقام. والكبر والخيلاء ولديهم الاستعداد أن ينفقوا جلّ مالهم وما يدخرون على الأكل والشرب والسفر والرحلات وإقامة الحفلات وشراء الملابس وتجديد ديكورات المنزل وتبديل أثاثه من غير داع أو فائدة ترجى..
الإسراف هو مظهر من مظاهر الإفساد الذي يؤدي إلى اختلال المعايير ويترتب عليه نتائج وآثار سلبية تسمم الأخلاق وتقضي على المثل والمبادئ، وتجعل من الإنسان شخصاً أنانياً، لا يعترف بتقنين النفقات ولا يكترث بأولويات الآخرين زمن الحروب والأزمات، فقد يلجأ المسرف إلى النصب والاحتيال والكسب غير المشروع من أجل المحافظة على مستواه من الترف والنعيم.. وقد يكسر قلوب المستضعفين من الفقراء ويملأها بالحقد والضغينة لأنه حصل على مكاسب تفوق حاجته وحرم الآخرين أحقية استهلاكها، كما وقد يستنزف المسرف موارد الطبيعة ويهلك الحرث والنسل، ويدمر التوازن البيئي في جنوحه للمتعة الجائرة بما رزقنا الله من خيرات..
أما آن الأوان أن نتعظ من سوء الأوضاع الاقتصادية وحالة الدمار والخراب الذي يلازم عددًا من دول منطقتنا، ألم يحن الوقت لنرشد في الطاقة ونوقف الهدر والتبذير، أليس من الحكمة أن ندير المال والثروات بالشكل الذي يطور فكراً وينمي مجتمعاً، أوليس من العدل كما أوصانا رسول الله بأن نكون شركاء مع الناس في الماء والكلأ والنار، أليس من التمدن والحضارة أن نبتعد عن الموروث الثقافي الخاطئ وندحض التخلف والهياط ولا نعير أهمية إلى المظاهر الآنية التي حتماً سيذهب جفاءها كزبد البحر، أوليس من الرحمة والانسانية أن نوظف الفائض من مواردنا في استثمارها والصرف منها على إيواء الأطفال المشردين وتسديد ديون المتعثرين وتشغيل الشباب العاطلين وإعانة العجزة المحتاجين.
نعم هذا ما يفرضه الواجب الوطني وتحث عليه الأديان السماوية، ولنا في عهد الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز أسوة حسنة حيث ساد فيه العدل واختفى الفقر لدرجة صعب على الأغنياء أن يجدوا محتاجاً واحداً يتصدقوا عليه .يقول المولى عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}.