فهد بن جليد
قبل نحو (ست سنوات) أذكرُ أنَّ طبيباً أمريكياً انتقد في حوار مع الزميلة (الوطن) طريقة علاج الأسنان في المملكة بكثرة الخلع, وقال كليف ريد عند زيارته للمملكة «إنَّهم لازالوا يخلعون أسنانكم, يا إلهي, لماذا كل هذا, أين تعلم هؤلاء, في قاموس الطب الحديث لا وجود لخلع أي سن, الحل المثالي لكل طبيب هنا هو الخلع, والناس تتقبل, إذا كان الأمر كذلك, فلم كل هذه المؤتمرات والتجمعات العالمية لمُناقشة ما يستجد في عالم الطب» يقول ذلك وهو يؤكد أنَّ إمكانات المملكة الطبية الحديثة, تؤهلها لتغيير هذه الاستراتيجية التي يتبعها أطباء الأسنان كأسهل الطرق والحلول - في المستشفيات العامة والخاصة - ويقبلها المرضى كأسرع الطُرق للتخلص من الألم بلا رجعة, وهذا قد يكون نتيجة عدم شمول بعض طُرق علاج وتجميل الأسنان ضمن وثيقة التأمين, فيتجه معظم الناس للخلع دون تقدير لحجم الخسارة الفادحة بفقدان (سن) يمكن علاجه, مع عدم إدراك بأنّ مسألة تعويضه بالزراعة ستكون أمراً مُكلفاً للغاية لاحقاً, أو يبقى الفم مشوهاً.
لا أعتقد أنَّ شيئاً تغير مُنذ ذلك الحين وحتى اليوم, فمازال (خلع الأسنان) هو الحل الأكثر انتشاراً في عيادات الأسنان لدينا, فهو الأرخص والأوفر والأسهل مُقارنة بتكاليف العلاج المُرتفعة وجلساته المُتكرِّرة, يبدو أنَّنا في حاجة لوضع استراتيجية وطنية من قبل وزارة الصحة للعناية بصحة الفم والأسنان - أكثر فاعلية بشكل عملي وجاد - لتغيير المشهد القائم الآن على الأقل عند الجيل الصاعد, بعيداً عن التوعية التقليدية والطُرق المُتبعة حالياً, الأمر بحاجة إلى خطوات عملية وتنظيمية لتحديد مسألة اللجوء لخلع السن وتوقيتها في مراحل العلاج وفق معايير طبية مُحددة وواضحة.
عندما تنظر إلى صحة أسنان معظم السعوديين وخصوصاً الأطفال منَّا, ستشعر بأهمية القيام بتلك الخطوة , للحد من تأثير الوجبات الصحية والمشروبات الغازية والحلويات وطُرق العلاج الخاطئة, التي تترافق مع شبه انعدام بالأسنان وعنايتها ونظافتها عند شريحة كبيرة جداً من الناس في الصغر, مما أنتج لدينا مثل هذه المشاكل دون إدراك كُلفة وخطورة الأمر, لو قارنت أسنان السعوديين بغيرهم من المُجتمعات الأفريقية الفقيرة أو الآسيوية, أنا مُتأكد أنَّك ستجد صحة أسنان هؤلاء وسلامتها مُتفوقة علينا بشكل واضح, نتيجة ثقافتهم المُبكرة بضرورة الحفاظ على الأسنان وسلامة الفم في مرحلة الطفول كثقافة يحافظ عليها الأبوان ويطبقها المُجتمع بأكمله, لأنَّ العلاج مُكلف لديهم ببساطة اختاروا طريق العناية المُبكرة كأحد أهم الأسباب, بعكس ما يحدث لدينا غالباً في التوجه للمُستشفيات المجانية التي قد تنتهج أسهل الطرق لمواجهة الازدحام وطوابير الانتظار (بالخلع), والأكثر حزناً - على طريقة الطبيب الأمريكي أعلاه - أنَّنا نطلب ذلك حتى من المُستشفيات الخاصة مُباشرة, إمَّا للتخلص من الفواتير المُزعجة, أو الخوف من ألم العلاج ومراحله.
وعلى دروب الخير نلتقي.