رجاء العتيبي
التحولات الاجتماعية في الغرب على مر التاريخ أحدثت مدارس فنية, عرفت فيما بعد بالكلاسيكية والرومانسية والتعبيرية والسيريالية والعبثية, وغيرها، حتى على مستوى بقية الفنون الأخرى كانت تظهر مدارس جديدة وتختفي مدارس قديمة وكذلك الفلسفة... إلخ.
هذه التحولات في مختلف الفنون تعكس طبيعة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية, فيظهر جيل يتعاطى مع الفن من وحي هذه التحولات وتصطبغ فنونه بصفات غير الفنون السابقة تتماهي مع روح الشباب والأجيال الجديدة التي أثرت فيها هذه الأحداث.
التحولات الفنية التي يمكن أن نلمسها في مجال الفنون تحديدا, هي استجابة لتحولات غربية, فالرومانسية عندما ظهرت في أوربا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ظهرت كرد فعل على الاعتماد على العقل والأنظمة والبروتوكولات لصالح الأبعاد الوجدانية والعاطفية, فتبنت القصيدة العربية بعضا من هذه الرؤى كتقليد وموضة واتجاه فحسب, أكثر من كونه انعكاس لتحولات اجتماعية عربية.
اليوم رؤية السعودية 2030 أحدث تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية, ومع ذلك لم يتولد عنها (مدارس فنية) تتفاعل مع هذه الحدث, كل ما هنالك تحولات في السلوك والوعي والأنظمة, أما (الفنانون) و(الأدباء) و(الفلاسفة) و(الشعراء) فبقوا على حالهم, سواء الجيل الذي سبق الرؤية بسنوات أو الجيل الذي عايش إرهاصاتها واستمر معها حتى اليوم.
لا يوجد حتى الآن أي مؤشرات توحي بأن مدارس في الفنون على وشك الظهور بمواصفات فنية خاصة ومعايير محددة ورواد ومنظرين وإنتاج مختلف يحاكي تأثيرات الرؤية على الفكر والفن والوعي, لا نقصد أن تكون الفنون مع أو ضد الرؤية 2030، ولكننا نقصد مدارس فنية واتجاهات أدبية بتعبير جمالي مختلف عن السابق به تأثيرات الرؤية باعتبارها (تحولا اجتماعيا كبيرا).
يمكن أن نلحظ تأثيرات (السوشال ميديا) على الفنون, ويمكن نلحظ بروز (الشعبي وسقوط النخبة)، ويمكن أن نلحظ تأثير الجماهير بسبب تحولات عالمية وتقنية, ولكننا حتى هذه اللحظة لم نلحظ تشكل أي مدرسة فنية قادمة من تأثير الرؤية السعودية 2030، ليس المقصود أن الرؤية هي التي تصنع المدرسة الفنية, ولكن المدرسة الفنية هي التي تأتي نتاج التحول الاجتماعي والثقافي والاقتصادي التي أحدثته الرؤية.
لسنا هنا أمام فلسفة, ولكننا أمام مظاهر اجتماعية (صوتية) تعبر بلسانها عن الرؤية نقدا أو مدحا أو توجسا أو خيفة أو تفاؤلا أو تشاؤما أكثر مما تعبر بواسطة (فنون جديدة) ملهمة للأجيال اللاحقة.
الرؤية تحول اجتماعي جديد, ما زالت (فنونا, وثقافتنا) عاجزة عن استيعابه, قصور إبداعي أقل ما يقال عنه أنه (فن) استهلاكي يقلد نتائج التحولات المجتمعات الأخرى, فيما يعجز عن توليد فن جديد لتحولاتنا (نحن) غير الاتجاهات الفنية السائدة.