ناصر الصِرامي
بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن تراجع الإعلام التقليدي وما يهدده من مخاطر، يمكننا وبشكل أكثر وضوحاً أن نتحدث عن تراجع شركات الاتصالات التقليدية وتحديات تواجهها، في لغة الأرقام يظهر تقلص معلن في أرباح شركات الاتصالات الخليجية على مدى السنوات الخمس الماضية بالتتابع، وانخفضت إجمالي أرباح الشركات من 8 مليارات دولار في 2011 إلى 6.25 مليار في 2015، والسبب دائماً تطور التكنولوجيا، وما توفره برمجيات الجديدة والتطبيقات من بدائل عن الخدمات التقليدية لشركات «الهاتف».
وكشف رصد أجرته صحيفة مال الإلكترونية عن تحقيق شركات قطاع الاتصالات الثلاث: (STC وموبايلي وزين) في السعودية، إيرادات بلغت 53 مليار ريال، خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي 2017، بانخفاض 4.6 في المائة عن إيرادات الفترة ذاتها من 2016، التي كانت 55.5 مليار ريال، فيما تراجعت إيرادات الربع الثالث إلى 17.4 مليار ريال بنسبة 5.9 في المائة عن الربع المماثل من العام السابق، التي كانت 18.5 مليار ريال، تراجع تشارك فيه غالبية شركات الاتصالات في العالم.
تقول شركات الأبحاث البريطانية Ovum إن شركات الاتصالات العالمية ستفقد 386 مليار دولار من إيراداتها بين 2012، و2018، بسبب التطبيقات التي تتيح الاتصال ونقل المعلومات بالنص والصوت والصورة والفيديو، التي تتكاثر بشكل ملفت وتتنافس في سباق سريع ومتتابع.
بداية العقد الحالي كان قد شهد القفزات الأضخم، حيث ارتفاع عدد مشتركي الجوال، من 4 مليارات إلى 6.3 مليار، وفيما يزيد عدد مشتركي الجوال في العالم على مدار الساعة، إلا أنه وفي المقابل يتضاعف عدد مشتركي الإنترنت، فمن من 1.5 مليار إلى 2.3 مليار متصل بالشبكة العالمية.
وفي نفس الوقت يتفوق رقم «تنزيل» وتحميل تطبيقات Apps على الهواتف الذكية بشكل أسرع، فمن 500 مليون إلى 50 ملياراً سنوياً وتزيد، وهي تغطي كل المجالات والخدمات تقريباً التواصل الاجتماعي والتعليم والترفيه والتجارة والمعاملات الحكومية والخاصة، والإعلام والتوظيف.. الخ.. تنوع معلوماتي وخدماتي هائل لن يتوقف.
هذه التطورات المستمرة بوتيرة تزداد تسارعاً تفرض -وبدون خيارات- ضرورة الاستعجال من قبل الشركات الاتصالات التقليدية -التي ما زالت تتمتع بوضع مالي جيد جداً حتى الآن -تفرض عليها أحداث تغيرات فورية في عقلية وفكر إداراتها واستراتيجياته الآنية والمستقبلية.
نحن نتحدث اليوم عن شبكات الجيل الخامس التي يتم تجربتها الآن 2018، والاستخدام التجاري الكامل خلال الخمس سنوات المقبلة على أبعد تقدير، كما نعيش مرحلة «إنترنت الأشياء».. حيث كل جهاز مرتبط بالإنترنت دون استثناء، وحيث الجيل الخامس يجعل من العالم الافتراضي والواقعي شيئاً واحداً في نفس اللحظة..!
ولنتذكر بشكل مستمر التقارير التي تتوقع أن تتضاعف حركة تبادل البيانات والمعلومات بكل صيغها، في الشبكات حول العالم بنحو 15 ضعفاً في عام واحد، كما تفوق عدد حاملي الهواتف الذكية على أي جهاز آخر في تاريخ البشرية، ذلك كله يبرز المأزق الذي ينتظر شركات الاتصالات -الهاتف- التقليدية، خصوصاً البعيدة عن استثمارات آنية واستراتيجية مستحقة وملفتة في قطاع المعلومات والبيانات والمحتوى والخدمات المرتبطة بها.
شركات الاتصالات تحتاج إلى إعادة تطوير استراتيجياتها لتواكب الضغوط الحالية والسعي للبقاء في ظل التنافس العالمي الشديد.. ومهما حمتها «الحكومات» التي ما زالت تسيطر على الحصة الأكبر من هذا القطاع.. فإن هذه الحماية مجرد جرعات مخدرة ليس إلا، ولا يمكن لها تحقيق فاعلية لمعالجة ضعف تموضعها أمام التطور التقني الجارف.. بل قد يشكل هذا الارتباط في أحياناً أخرى ضغط عليها..!