د. خيرية السقاف
المناطق العامرة بالخضرة حين يزورها الغيث, يصحبه الهواء البارد, تحيطها الأشجار العالية ذات الظلال تصبح لوحة جمال فارهة, أول ما يصدف أن تمر بها تعتريك دهشة مفاجئة: يا الله أهذه المنطقة في مدينتي؟!..
ولكأنك تمر بأحد شوارع أوروبا المخملية في المطر, وهي تندس برؤوسها تحت المظلات, لكن لا أحد يهرب من موقف حافلة, ولا معبر مشاة, ولا يندس خلف نافذة..
الحياة لا تحلو بالطبيعة فقط حين تُترك فتغدو غابات موحشة, عميقة بأسرارها,
الحياة تَجْمُل بكدح الإنسان, وهذه المناطق فارهة الجمال وجدتها وأنا أعبر من البديعة إلى الشمال مرورا بالناصرية هذا الاسم, البقعة النابضة في جوفي مذ أول مدرسة وضعوني في الفصل فيها على ما يرفعني كي أستقيم فوق مقعد الفصل!!..
الشجر فيها ينوف, يتاخم حواف الطريق من جانبيه, وقلبه..
الخضرة تزين شرق الطريق, والبيوت القديمة الفخمة عن يساره تنطق بالعراقة, تلتقي بالجديد النابض..
المطر يرش بدلوه ما يسقي, دواليب العجلات تحرك الماء يلتقي بالنازل من السماء فيشكل ضبابا يحرك ماحيات الماء في نواصي زجاجات العربات,
وأنا... فتحت النافذة, استقبلت المطر,
لم يرتوِ قلبي ترفا, ولا عيني فتنة فقط, ولا جوفي شهيقا مريحا,
بل شاهدت المدينة كلها وهي لوحة جمال أخاذ, ينطق, ويحتفي..
أمامي يعتلي معبر القطار, من تحته مرقت الطريق لأحتوي الرياض كلها, وهي تحتضن جمال بعضها..
كأنها التفاصيل اجتمعت على صوت واحد في سقيا الخير من السماء, تفضي عن جمالها لتقول: هيا اجعلوني خضراء حيث تمرون!!..