عبدالله بن موسى الطاير
ما يحدث في سوريا هو عار على الإنسانية، هكذا قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. والمخجل أن يتعثر في مجلس الأمن قرار الهدنة عندما طرح يوم الجمعة ويؤجل إلى السبت ليصدر وقد سحب منه كل أدواته الفاعلة من أجل التوافق الدولي.
يمكن لنا أن نلوم البشر جميعاً على ما يحدث للسوريين، وعلى ما حدث ويحدث للفلسطينيين، وتلومهم الدول الغربية على ما حدث في العراق، وما يحدث في ليبيا، يمكن لنا أن نضع قوائم بدول كثيرة نرجمها بالكلمات ونحفها باللعنات بعد كل مصيبة نقع فيها وبخاصة أننا في هذا العالم العربي لا نخرج من مصيبة إلا إلى حضن أخرى.
منذ عام 1948م ونحن نلعن إسرائيل والصهيونية ونتهم الغرب بأنه وراء النكبات الماحقة التي حلّت بمعاشر العرب. ومنذ ذلك الحين ونحن نتلاسن بسبب القضية، ونجبي الإتاوات لصالح دول المقاومة، ونعطل تنمية الإنسان والمكان استعداداً لمعركة النصر التي لم تأت.
إسرائيل دولة احتلال محاطة بالأعداء الذين يزبدون ويرعدون ويتوعدونها بالويل والثبور وعظائم الأمور، ومع ذلك عاشت وتوسعت وبنت تنميتها، وحققت حكماً رشيداً لشعبها اليهودي، فماذا حقق جيرانها؟ الغرب متواطئ معها، ولا خلاف على ذلك. تلك أقدار مصنوعة كما يسميها غوستاف لوبون في كتابه روح السياسة، فهل استسلمنا للقدر، وبدلاً من البحث في فهم أسبابه والتعامل مع كل منها بما يحلل مكوناته ويضعف تأثيره استسلمنا لمصارع الأقدار وركنّا إلى مصير بدا لنا محتوماً.
تلقينا كل الهزائم واحدة تلو الأخرى، ومن أجل إطفاء الحرقان الذي يستعر في جوف الشعوب كنا نشن حروباً بديلة على بعضنا البعض. نتهم هذا بالرجعية، وذلك بالعمالة وثالث بالتخلف والجهالة، ورابع بالجبن والصفاقة. اخترعنا ملاهي ننشغل بها عن مواجهة حقيقة مرة مؤلمة وهي عجزنا عن تدبير شؤوننا. تمترسنا خلف السيادة، نفني الإنسان ونحرق الأخضر واليابس من أجلها، وبدلاً من فقدان شبر من الأرض نفقد الإنسان، والثروة، والتنمية وأميالاً من السيادة.
وكما الحال مع السيادة، نفعل مع الأمن؛ فنسخر الموارد للتسلح وبناء المتاريس، والسجون وتطوير آلة التعذيب، وننقض على المواطنين قتلاً وتشريداً وظلماً وإهانة من أجل الحفاظ على الأمن، فتفنجر الشعوب وتثور، وتذهب الفوضى بالأمن بعد أن أزهقت من أجله الأرواح. فلا نحن وفرّنا مؤونة التسلح، ولا نحن عصمنا الدماء والأرواح، ولا نحن حققنا الأمن.
خطباء مفوهون، وشعراء «ملوسنون»، وفي جعبتنا الحلول لكل المصائب؛ فنحن نحكم العالم ونسوس دوله بالعدل في برنامج حوار تلفزيوني، ونخوض المعارك ونخرج منها منتصرين على شبكات التواصل الاجتماعي. نحن في الكلام بارعون، وفي الفعل مهزومون وعلى كل المستويات.
ما لم نجربه بعد هو الواقعية السياسية، والعقلانية، والصبر، والحوار، وبعد النظر، والتفكر في المآلات، واستشراف المستقبل، والحزم في الإصلاح، والحكمة في القرار، والرؤية بعيدة المدى للقضايا المصيرية.
لنترجل عن صهوة «الهياط» ونفكر بتواضع فيما آل إليه حالنا، ونجعل الإنسان هو الغاية التي تصب في مصلحته كل المخططات. لنجلس مع العدو، ونستنفد كل الحلول مع الصديق، وتتسع صدورنا للرأي المخالف من المواطنين، ونجعل غاية السلطة هو الوصول إلى الحكم الرشيد. هذا هو التحدي الذي لم نجربه بعد، ومن الحكمة أن نبدأ بتجهيز هذا السلاح من أجل المستقبل. إن المصانع التي يمكن أن تنتج سلاح المستقبل هي المدارس، شريطة أن يتعلم أبناؤنا ما ينسجم مع أنساقهم الاجتماعية والثقافية المتعارف عليها. ومخطئ من يتوقع أن استيراد التربية والقدوة يمكن أن يصنع أجيالاً راشدة. {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.