د. محمد عبدالله الخازم
كتبتُ مقالاً حول إعادة تقسيم مناطق المملكة ضمن تطوير شامل لنظام المناطق أو نظام الإدارة المحلية، فوجدت أن الغالبية تقترح زيادة عدد المناطق بتقسيم بعض المناطق الكبرى إلى مناطق أصغر في الحجم، وهي الفكرة التقليدية التي ربما كنا نراها عطفًا على أن نظامنا الإداري سيبقى جامدًا، ولن يتطور في شكله المركزي والطرفي. في ظل النظام الحالي قد يكون إيجابيًّا وجود مناطق صغيرة، تسهل إدارتها، ولا تهمل أطرافها على حساب مدنها الرئيسة. عاطفيًّا واجتماعيًّا أريد أن تكبر محافظتي لمنطقة مستقلة، ولا أريد أن تدمج منطقتي مع منطقة أخرى، لكن الأمر ليس عاطفة، بل رؤية إدارية. البعض يروج بين فترة وأخرى لمقترح تقسيم مناطق. لا ندري هل هو تقسيم جرى مناقشته لدى الجهات الرسمية أم أنه مجرد اجتهاد شخصي يشجع انتشاره رغبة البعض في رؤية تغيير على مستوى إمارات وإدارات المناطق المختلفة، ويعتقدون أن النمو الطبيعي هو دائمًا في تحويل القسم إلى إدارة والإدارة إلى دائرة والدائرة إلى هيئة والهيئة إلى وزارة والمركز إلى محافظة والمحافظة إلى إمارة.. وهكذا؟
سأعاكس التيار وما سبق أن طرحته شخصيًّا في هذا الشأن، وأسأل: ماذا لو قلصنا عدد مناطق المملكة إلى سبع أو ثماني مناطق، بدلاً من ثلاث عشرة منطقة؟ وسؤالي أطرحه بشروط تحكم الفكرة وإلا أصبحت غير إيجابية. أول مكونات التطوير الذي أراه هنا هو التوجه نحو تقليص المركزية الإدارية، ومنح صلاحيات تخطيطية وتنفيذية واسعة للمناطق المقترحة؛ فتصبح ميزانيات مختلف القطاعات التنموية - بخاصة - مناطقية (من المنطقة)، وليس مجرد قطاعية كما هو الأمر في الوقت الراهن، وذلك بناء على التوجه من التخطيط القطاعي (لكل قطاع على مستوى المملكة) إلى التخطيط المناطقي (لكل منطقة). طبعًا هنا ستتحول الوزارات الرئيسة إلى إشرافية تشريعية، لكنها ليست معنية بالتنفيذ أو التشغيل باعتبار ذلك سيكون مسؤولية كل منطقة على حدة. ستبقى القطاعات السيادية بيد الحكومة المركزية، وتبقى الأنظمة القضائية والتعليمية والمالية وغيرها موحدة.
رؤية 2030 تسعى إلى رفع كفاءة العمل الحكومي والتشغيل لمختلف مشاريع التنمية، لكن مركزية الإدارة في أمور يجب أن تستقل بها المناطق، مثل تشغيل قطاعات التعليم والصحة والبلديات والزراعة والطرق الداخلية وإدارة المرور والدفاع المدني والمحاكم.. وغيرها من القطاعات التنموية، يعيق هذا التوجه. المملكة لم تعد مجرد مدن قليلة وصغيرة وسكان قليلين، بل إنها تكبر وتكبر مدنها، ويزيد سكانها؛ وبالتالي متطلبات المناطق تزداد، والتفكير في منح صلاحيات للمناطق يعتبر أمرًا إيجابيًّا، وربما حتميًّا لتحسين الأداء. ولأجل هذا الهدف أشرت إلى أنه لا بأس بأن يصبح لدينا عدد مناطق أقل بصلاحيات أكبر، بدلاً من عدد مناطق أكثر ولكن بصلاحيات محدودة.. وليكون الأمر أسهل إداريًّا من قِبل الحكومة المركزية والوزارات التي تمثلها. أخشى أن تكون زيادة عدد المناطق وفق ما يقترحه الكثيرون عائقًا أمام منحها صلاحيات أوسع؛ إذ سيكون حجة للإدارة المركزية بأنه يصعب منح صلاحيات واسعة لكل تلك المناطق الصغيرة التي قد لا تتوافر فيها القيادات المطلوبة، ويصعب رفع المراتب القيادية لكل المناطق... إلخ.