د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تاريخنا الوطني هو فسيفساء عشق كبرى يرصفها تاريخ الإنسان والأرض لتعلن اجتياز بلادنا لمراحل البناء الحضاري حتى عهدنا الحديث الشامخ، ولم يُبنَ تاريخنا الوطني على الصدف والمواقف العابرة إنما هو صناعة مجد واجتماع قلوب وتوحيد همم؛ كما أن تاريخنا الوطني ليس مجرد صفحات من السرد المدعم بالوثائق والأسانيد، وليس شبيها بمعارض الصور الثابتة إنما هو أقرب إلى شريط سينمائي عن حياة دولة عظيمة اكتملتْ ملامحها التفصيلية ملمحاً بعد ملمح حتى أصبحت كياناً عملاقاً تخفق رآياته عالياً وتستدير أيضاً على تمام يقينها؛ حيث تهفو لها أفئدة المسلمين حينما يلبون داعي الله عزّ وجل لأداء شعائرهم؛ ولذلك فإن تلقي المعرفة العميقة عن تاريخنا الوطني له طقوس وأبجديات مطلوبة، يجب أن تتصدر التأليف التعليمي لتاريخنا الوطني، حيث تربعت بلادنا على مساحات شاسعة من الجزيرة العربية سليمة المعتقد طيبة العناصر نقية الاتجاه، بسطت نفوذها وحولت واقع الجزيرة العربية المرير وما تعيشه من قلق إلى وحدة ذات كيان واحد وهدف واحد وعقيدة واحدة وراية واحدة.
وفي عمق التدوين التعليمي للتاريخ الوطني لا بد أن تتجلى عند المتعلمين مآربهم ونوازعهم من وإلى بلادهم وما أصدق قول الشاعر:
وحبّب أوطان الرجال إليهم ُ
مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتْهمُ
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
فتعميق معرفة المتعلمين بالتاريخ الوطني مطلب تأسيسي مهما عظُمتْ العلوم الأخرى وتشعبتْ واكتظت في واقع المتعلمين فتدوين التاريخ الوطني ليكون حيّاً ناطقاً في مؤسسات التعليم في جميع مراحلها ومساراتها دون استثناء، وتدوينه غزيراً بتفاصيله التي رصدتها أقلام المستشرقين الأجانب ورواد التسجيل التاريخي في بلادنا الذين رضعوا تاريخها واعتبروه شيمة سرت فيهم مسرى أرواحهم؛ فرصدوا كفاح حكام هذه البلاد منذ تأسيسها، وكتب مؤرخو بلادنا بأسلوب توثيقي رصين وكان انعطافهم نحو التعمق في الاستقصاء لاضطلاعهم بواجبهم الوطني أيضاً، ولقد حظيتْ فترة تأسيس هذا الكيان الشامخ «المملكة العربية السعودية» التي قادها وشكّل تاريخها الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله حظيت بمئات من المؤلفات أصدرها سعوديون وعرب ومنها ما ألفته أقلام أجنبية كانت خبيرة في تدوين الأحداث والتحليل التاريخي غير السردي، ومن مصادر التاريخ الوطني أيضاً الآثار التي توشحتها حكايات الكفاح والانتصارات ونقشت عليها علامات تُحتذى وهي مؤشر على حضارات عريقة أسهمت في تأسيس تاريخ حضارتنا الممتدة في عهود بلادنا المضيئة، والملاحم الشعرية نبع آخر يؤطر من خلال النظم الشعري شذرات من تاريخنا الوطني، فتاريخنا الوطني يحتاجه المتعلمون في قوالب جديدة تتماهى مع بلادنا السعودية الحديثة أيضاً!
يحتاج المتعلمون أيضاً إلى قراءات جديدة في الفكر الاستراتيجي لكل عهد من عهود بلادنا الممتدة منذ عهد المؤسس رحمه الله؛ ذلك الفكر الذي قامت من خلاله دولة عملاقة تنعم بالسلم والرخاء وكان محيطها الخارجي يعج في ذات الوقت بالأزمات والمؤامرات والثورات؛ وحتى يكون تلقي التاريخ الوطني مجزياً ومجدياً في محيط المتعلمين فلا بد من صهر مجموعة من الخطابات الثقافية في بوتقة التاريخ لتشكيل دلالات السيادة والنقاء الممتد والذكريات الخالدة في أذهان المتعلمين، وستؤطر للأجيال من خلال ذلك حكايات مفرطة في الشجاعة وعمق العطاء الإنساني الذي تراسل عبر عهود بلادنا على هيئة خطاب وجداني تحنُ إليه الذائقة السعودية، وحتى نجعل التاريخ الوطني مادة تسكن عقول المتعلّمين لتقي قلوبهم الحر والقرّ!! وحتى يتلقَّى المتعلمون مرآي نفوسهم وجذور انتمائهم فلا بد من تطوير التلقي في ذاكرة الأجيال حتى نحقق صعوده المثير للدهشة؛ ولعل وزارة التعليم في حراكها المشهود نحو الوعي تتبنّى حاضنة تُعنى بتدريس التاريخ الوطني وتطوير التلقي بآليات غير تقليدية.
ويُحمدُ لبلادنا وجود منصة كبرى تعنى بتاريخ بلادنا وهي دارة الملك عبدالعزيز فهي صديقة معرفية زاخرة، فيمكن لوزارة التعليم أن تستورد المعرفة التاريخية الوطنية من بواباتها،
بوح،،
«»وإذا خامر الهوى قلب صبٍ
فعليه لكل عين دليلُ»»