القاهرة - سجى عارف:
أقام السفير أحمد بن عبدالعزيز قطان سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية مندوب المملكة الدائم لدى جامعة الدول العربية عميد السلك الدبلوماسي العربي، أمسية ثقافية «رياض النيل»، حيث كان ضيف الشرف معالي وزير الدولة للشئون الخارجية الدكتور نزار مدني، والذي ألقى محاضرة تحدث عن «السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية»، بحضور عدد من الوزراء والشخصيات العامة والمفكرين والسياسيين والسفراء ورؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير بعض الصحف والكُتاب والإعلاميين واستهل السفير «قطان» الأمسية بالترحيب بمعالي وزير الدولة للشئون الخارجية والضيوف الكرام، لافتًا إلى أن الدكتور نزار مدني قد شغل العديد من المناصب ومثّل بلادة تمثيلاً مشرفاً في العديد من المحافل والمنظمات والمناسبات الدولية وخلال محاضرته، تحدث الدكتور «مدني» عن التعريفات والنظريات المختلفة لمفهوم السياسة الخارجية بشكل عام، وأهم العوامل التي تؤثر على اختيارات الدول وإتباعها نهج سياسي دون الآخر على صعيد علاقاتها الدولية، والأسس التي تقوم عليها السياسة الخارجية الناجحة وفي حديثه عن السياسة الخارجية للمملكة، أكد «مدني» أن هناك ثلاث محاور رئيسية تحدد نهج السياسة الخارجية السعودية أولها «محور الثوابت «فمنذ أن تأسست المملكة على يد الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود وهي تسير على منوال ومنهج ثابت في سياستها الخارجية، والمبادئ الأساسية التي حكمت ولا تزال تحكم هذا النهج لم تتغير أو تتبدل على مر الزمن، وهي تتمثل في أن أي قرارا أول تحرك سياسي خارجي تقوم به المملكة العربية السعودية ينبع أساساً من حقيقة أولية مؤداها أنها جزء من الأمة العربية الإسلامية.
وأوضح «مدني» أن السياسة الخارجية للمملكة تتسم بأخذها بالأساليب الجادة المعتدلة البعيدة عن الصخب والضجيج، وعدم تعاملها بوجهين أحدهما معلن والآخر مستتر، ونفورها من الشعارات المضللة والطروحات الجوفاء الخالية من المضمون، إلى جانب ابتعادها عن أساليب المزايدات والانفعال، واعتمادها على معالجة القضايا بالكثير من الهدوء والحكمة العقلانية والتبصر.
أما بالنسبة للمحور الثاني وهو الخاص بـ «المتغيرات والمستجدات» على الساحة الدولية، أوضح معالي وزير الدولة للشئون الخارجية، أن هناك عدداً من المستجدات والمتغيرات التي فرضت نفسها على العلاقات الدولية، وحظيت بعناية فائقة من قبل صانعي القرار السياسي في المملكة، ويتم التعامل معها بكثير من الموضوعية والحكمة والاهتمام، ومنها قضايا الإرهاب، وحوار الحضارات، وتأثير ثورة الاتصالات والمعلومات على أساليب الدبلوماسية المعاصرة، والتغير في هيكلية العلاقات الدولية، بالإضافة إلى قضايا الطاقة والبيئة والمناخ والأزمات المالية العالمية. أردف «مدني» قائلاً: «لمّا كان المجال لا يتسع للحديث عن جميع هذه القضايا، فإنني سوف أكتفي هنا بإلقاء بعض الضوء على ثلاثة قضايا منها فقط».
ثم تحدث «مدني» عن قضية «مكافحة الإرهاب».. قائلاً: «اتخذت المملكة العربية السعودية من ظاهرة الإرهاب موقفاً صلباً وقوياً بغية مكافحتها واحتواء آثارها المدمرة، فلقد دأبت المملكة على إدانة الإرهاب بجميع أنواعه وأشكاله، وضمت جهودها إلى جانب الجهود الدولية المبذولة للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي لا يمكن مكافحتها إلا من خلال عمل دولي متفق عليه يكفل القضاء عليها ويصون حياة الأبرياء ويحفظ للدول سيادتها واستقرارها، وقد أثمرت الجهود الحثيثة التي بذلتها المملكة في هذا الصدد عن الموافقة على اقتراحها بإنشاء المركز الدولي لمكافحة لإرهاب في إطار منظمة الأمم المتحدة.
وعن قضية المساعدات الاقتصادية والإنمائية والإغاثية، أكد «مدني» أن المملكة لا تتردد في تقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية لأي مناطق في العالم تتعرض للكوارث طبيعية كانت أو إنسانية، وسجلها في هذا المجال معروف وموثق، ولهذا الغرض فلقد أنشأت المملكة مؤخراً «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» والذي اكتسب سمعة دولية مرموقة، وبات واجهة مشرفة للعمل الإنساني والإغاثي الذي تتبناه المملكة على الصعيد الدولي.
ثم انتقل الدكتور مدني للتحدث عن المحور الثالث الذي أشار إليه في البداية وهو «محور التحديات»، مؤكداً أن التهديد الإيراني للأمن والاستقرار في المنطقة يأتي في مقدمة هذه التحديات.. مشيراً إلى تدخل إيران السافر في الشئون الداخلية للدول، قائلاً: «منذ قيام ما يُسمى بالثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م، وحتى الآن وجدت المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة مستمرة مع التحدي الإيراني الذي أخذ عدة أشكال وصور، ابتداءً من إفرازات الحرب العراقية الإيرانية، ومروراً بعبث ما يسمى بحزب الله المدعوم من إيران في الساحة اللبنانية، وما تمارسه إيران من أنشطة محمومة وتخريبية في الخليج والبحرين، بالإضافة إلى تدخلاتها السافرة والمباشرة في العراق وسوريا، وانتهاءً بالأوضاع الخطيرة التي يجتازها اليمن حالياً».
وتحدث «مدني» عن تحدٍ أخر، واجهناه ونواجهه في صور وأنماط مختلفة مثل «القاعدة» و»داعش» و»النصرة»، وغير ذلك من منظمات إرهابية وميليشيات مسلحة تعيث في الأرض فساداً وتبث الرعب والدمار وتثير النزاعات الطائفية والفتن المذهبية وتهدد الأمن الفكري الذي يهدد مستقبل أجيالنا الشابة، وجوهر معتقداتنا، ومرتكزات شخصياتنا الوطنية.
وأضاف قائلاً: «من التحديات التي واجهناها أيضاً هو تحدي إفرازات ما يسمى بـ»الربيع العربي» الذي تحول فعلياً وواقعياً إلى خريف عاصف وجدت مختلف التيارات والجماعات الخارجة عن السلطة فيه وسيلة للوثوب إلى السلطة، والتحكم في مصائر الشعوب والبلدان».
وآثر الدكتور «مدني»، أن يتحدث عن العلاقات السعودية - المصرية في نهاية المحاضرة، واصفاً إياها بـ «الحلو» الذي يأتي في نهاية أي مأدبة طعام، مؤكداً على صلابة وقوة هذه العلاقة الأبدية قائلاً: «إننا في المملكة العربية السعودية نؤمن أن مصر منا ونحن منها. ديننا ودينها واحد.. قرآننا وقرآنها واحد.. نزل به الروح الأمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومازال يتلوه ليل نهار قراء مسلمون في القاهرة والإسكندرية وفي أسوان وطنطا وطنها ووطننا قطعتان من هذا الشرق الأصيل بعاداته وتقاليده وحضارته وثقافته.. وماضيها وماضينا فصلان من كتاب واحد في تاريخ العرب والمسلمين.. تاريخها وتاريخنا مشترك.. جربنا فيه سراء الحياة وضرائها، وتلاقت أهدافنا لنصرة المُثُل العليا التي كنا جميعاً ولا نزال نؤمن بها وندافع عنها».
واختتم معالي وزير الدولة للشئون الخارجية محاضرته مؤكداً: «إذا سلمت مصر سلمنا.. وإذا سلمنا فقد سلمت مصر.. فنحن لها الدرع الواقية، وهي في موقعها الرابض درع لنا، فلقد اتحدت مصائرنا إذاً على الحالين، وارتبطت أواصرنا.. أواصر الأخوة في الحاضر، كما كانت في الماضي، وكما لابد أن تظل أبداً».
وفي ختام الأمسية الثقافية، تقدم السفير قطان بالشكر لمعالي الدكتور نزار مدني على محاضرته القيّمة، مقدماً له هدية تذكارية عبارة عن «درع رياض النيل».