ترجمة وتعليق - د.حمد العيسى:
تقديم المترجم: هنا ورقة من تأليف الباحثتين هيا المغني وماري آن تيترو نشرت في نوفمبر 2004 كفصل في كتاب «المرأة والإعلام في الشرق الأوسط: القوة من خلال التعبير الذاتي»، تحرير: ناعومي صقر، لندن، آي بي توريس للنشر. هيا المغني عالمة اجتماع كويتية، عملت في الهيئة العامة لتقدير التعويضات عن خسائر العدوان العراقي. وهي مؤلفة كتاب «النساء في الكويت: سياسات الجندر»، لندن، دار الساقي، 174 صفحة، عام 2001. البروفيسورة الراحلة ماري آن تيترولت (1942-2015) عملت أستاذة فخرية في الشؤون الدولية في جامعة ترينيتي في مدينة سان أنتونيو، ولاية تكساس الأمريكية؛ وهي مؤلفة كتاب «قصص الديمقراطية: السياسة والمجتمع في الكويت المعاصرة»، عام 2000، نيويورك، قسم النشر بجامعة كولومبيا، 326 صفحة:
كما جرى توقيف جريدة «السياسة» في عام 1999 لمدة خمسة أيام، بعدما نشرت مقالاً اعتبر مسيئاً للأمير ومناهضاً لمصالح البلاد.
الجماعات الإسلاموية تطالب برقابة «مسبقة» على الصحف والمجلات والكتب والدراما والترفيه الاجتماعي.
وتعززت جهود الحكومة لتقييد الصحافة خلال التسعينيات بفضل حملة موازية شنتها الجماعات الإسلاموية التي طالبت بـ «رقابة مسبقة قبل النشر»، ليس فقط على وسائل الإعلام الإخبارية كالصحف والمجلات؛ بل على كافة مجالات الإنتاج الثقافي، مثل الكتب والدراما والترفيه الاجتماعي. ونتج عن هذه الحملة حظر مئات الكتب التي كانت متوفرة في معرض الكويت الدولي للكتاب، كما نتج عنها سلسلة من المحاكمات ضد كتاب وأكاديميين ليبراليين. وفي عام 1998، حكم على محمد الصقر، رئيس تحرير «القبس» وقتها، بالسجن ستة أشهر لنشر نكتة عن آدم وحواء؛ ولكن جرى إلغاء الحكم في الاستئناف. وفي أكتوبر 1999، اتهم إسلامويون الدكتور أحمد البغدادي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، بالكفر بسبب مقال نشره في مجلة الجامعة وجاء فيه أن النبي محمداً (...) (أي لم ينجح) في إقناع كفار قريش بالإسلام خلال وجوده في مكة.
وكانت إدانة الكتاب الكويتيين وفقاً لقانون التجديف شائعة؛ ولكن كان من الشائع أيضاً وقف التنفيذ والإفراج المبكر. وعندما دخل البغدادي إلى السجن، أضرب فوراً عن الطعام. وأشادت القيادات الإسلاموية بسجنه لكونه يمثل انتصارا لحملتهم الأصولية ضد الليبراليين التي تشبه الحملات الصليبية العتيدة. ونظراً لكون البغدادي يعاني من مرض في القلب وبسبب المناصرة القوية والحماسية التي حظي بها من زملائه وجيرانه، حيث عقدت اجتماعات طالبت بالإفراج عنه، أمر الأمير بالإفراج عنه بعد أسبوعين فقط. (14) كما خاضت نساء اتهمن بالتجديف تجارب مماثلة؛ فقد شن إسلامويون معركة استمرت عدة سنوات ضد الكاتبتين ليلى العثمان ود. عالية شعيب، وذلك بزعم نشر كتابين يتضمنان «عبارات مسيئة للدين وخادشة للحياء العام»، حسب رأي الإٍسلامويين. وأسفرت هذه الجهود، أخيرا، عن صدور أحكام بالسجن ضد كلا الكاتبتين في يناير 2000؛ ولكن جرى تخفيف كلا الحكمين في الاستئناف إلى غرامة مالية فقط. (15)
وزعم الإسلامويون أن الرقابة التي طالبوا بها كانت جزءاً من سعيهم إلى أسلمة المجتمع وضمان التزام الناس بالأعراف والقيم الإسلامية؛ ولكن كان هدفهم الحقيقي هو رغبتهم في السيطرة على المجتمع وتهميش القوى الليبرالية التي هيمنت على وسائل الإعلام المطبوعة طوال عقود. واتضح تأثير حملاتهم بعد انتهاء قضية عالية شعيب، التي حاورتها إيلين بروشر من جريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية. فبعد وقت قليل من انتهاء المحاكمة، كتبت بروشر أنه بالرغم من نهاية المحاكمة الرسمية، فإن محاكمتها «في محكمة الرأي العام... لا تزال مستمرة». فقد كان بعض الغرباء يوقفونها في الشارع، وبعد أن يتأكدوا من هويتها، يبصقون عليها! لقد أصبحت عالية حرة «اسمياً» بفضل حكم محكمة الاستئناف؛ ولكنها باحت لبروشر أنها إذا أرادت مواصلة التدريس والكتابة عن ما تعتقده، فيجب عليها أن تفعل ذلك خارج الكويت. (16)
الصحافة والإصلاح السياسي.
وقاد التجار الكويتيون صناعة الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية، لتحقيق إصلاحات سياسية. وكان الموقف الإصلاحي للتجار واضحا، حتى قبل أن تصدر في الكويت مطبوعاتها الخاصة. ففي عام 1938، استخدمت جماعة المعارضة المعروفة باسم «الكتلة الوطنية»، التي كانت تتمتع بدعم التجار الرائدين، الصحافة العراقية لنشر برنامجها الإصلاحي. وشهدت الأربعينيات صدور مجلات مثل البعثة (1946)، وكاظمة (1948)، والإيمان (1953)، والفجر (1955) والشعب (1957)، والتي نشرت مقالات حول مجموعة واسعة من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية المتعلقة بالمجتمع الكويتي. وروّجت هذه المنابر لمسألة الحداثة وسعت إلى نشر تأثير اتجاهات الإصلاح الجديدة التي يشهدها العالم العربي. (1) وأدى عدم وجود تغطية سياسية في وسائل الإعلام السمعية والمرئية إلى جعل الساحة السياسية الكويتية تعتمد على الصحف والمجلات المطبوعة التي زادت أهميتها بعد اعتماد الدستور في عام 1962. واتضح هذا خلال الانتخابات البرلمانية الأولى في عام 1963. وكانت الصحافة المطبوعة هي المؤسسة الرئيسة والرائدة للفضاء السياسي الكويتي الجديد، حيث تقدم للمرشحين والنقاد منتدى للنقاش حول قضايا الساعة. وبالمقارنة مع وسائل الإعلام الغربية، كانت الصحف والمجلات الكويتية تنشر عدداً كبيراً من التحليلات ومقالات الرأي، ومعظمها لكتاب أعمدة يكتبون لها بشكل منتظم.
وحتى مطلع التسعينيات، وبخلاف المجلة الأسبوعية الإسلاموية «المجتمع»، كانت قلة من الصحف تدعو الكتّاب الإسلامويون إلى كتابة مقالات رأي. وتنشر الصحف اليومية الكويتية أحيانا مقالات تخالف توجهات مالك الصحيفة، ولكن بالرغم من أن مثل هذه الآراء المختلفة تظهر بالفعل، فإن أماكن الزوايا المميزة في الصحيفة تمنح عادة إلى كتّاب الأعمدة المؤيدين لتوجه مالك الصحيفة. ويرى العديد من الكتّاب أن امتياز الوصول إلى وسائل الإعلام المطبوعة يمثل نقطة انطلاق ممتازة لتحقيق طموحات سياسية أكبر؛ فالنواب الحاليون والسابقون وغيرهم من الكويتيين الذين يطمحون إلى أن يصبحوا نواباً يكتبون بانتظام للصحف اليومية. ومن الأمثلة المعاصرة هناك أحمد البغلي وأحمد الربعي ومبارك الدويلة وخالد العدوة. ولا شك في أن حضورهم الصحفي يعزز سمعتهم ونفوذهم، ويساعدهم للوصول إلى الناخبين.
- يتبع
** **
- الدار البيضاء
hamad.aleisa@gmail.com