محمد عبد الرزاق القشعمي
قدم عبدالجبار بن عبدالكريم اليحيا من الزبير بالعراق - حيث ولد - في شبابه المبكر ودرس بالكويت والبحرين والمملكة. ثم التحق بقاعدة الظهران الجوية عام 1952م وحصل على بعثة دراسية تدريبية في أمريكا بمجال عمله لمدة تسعة أشهر، وخلال هذه الدورة شارك بعض الفنانين التشكيليين بأمريكا بمعرض جماعي.
انتقل عمله إلى القوات الجوية في جدة عام 1954م وبعد خمس سنوات يعود إلى الكويت للعمل مترجما في جمارك الأحمدي لأربع سنوات، ليعود بعدها لعمله السابق بجدة وليبدأ في تشجيع من يرى لديه موهبة الرسم سواء من خلال العلاقات الرسمية أو الخاصة أو من خلال عمله الصحفي الذي بدأه بجريدة المدينة عام 1967م حيث خصصت أول صفحة للفنون التشكيلية في الصحافة السعودية، وفي العام التالي أقام أول معرض شخصي لأعماله الفنية وبعدها استطاع أن يقيم 12 معرضاً شخصياً في عدة مدن عالمية. استقر بالرياض من عام 1973م ليعمل مصمما ومشرفا على أعمال الطباعة بوزارة المالية حتى تقاعد عن العمل عام 1978م ليعمل مع شركة الطائرات البريطانية.
أصيب بخيبة أمل عند بداية حرب الخليج الأولى، وزادت خيبته في الثانية عند اجتياح الكويت، فقرر الهجرة إلى المجر عام1991م ليقيم في عاصمتها بودابست، ولكن حنينه إلى وطنه لم يفارقه رغم زياراتها وتواصل بعض أصدقائه معه في غربته، فلم يطق البعد الدائم رغم انشغاله بالرسم وتعرفه على عدد من الفنانين التشكيليين المجريين وغيرهم من العرب ومشاركتهم من خلال المعارض وغيرها. وأبدع عدداً كبيراً من الأعمال ولكن حبه لوطنه فجر لديه موهبة جديدة هي الشعر فبدأ يرسل قصائد الحنين والوجد إلى (المجلة الثقافية) - ملحق جريدة الجزيرة بالرياض - فبدأنا نقرأ هذه القصائد، من بودابست بتاريخ 13/7/2003م وحتى 22/8/2005م ولأكثر من سنتين، إضافة لأعماله الابداعية من كتابات وترجمات لا يعلمها إلا القليل، فقد اشتهر كرائد من رواد الفن التشكيلي فقط إنما مواهبه الأخرى مثل الشعر والكتابة والترجمة وغيرها فلا يعرفها إلا القليل.
فمن الأمانة أن تبرز هذه الأعمال وتنشر ليطلع عليها الجميع.
اليحيا شاعراً:
نعود إلى الشعر والذي سنقصر حديثنا عن أهم قصائده التي بين يدي، وسأبدأ بالأولى والتي نشرتها (المجلة الثقافية) تحت عنوان: «الرياض.. (لوحة انطباعية) بالعدد 30 ليوم الاثنين 3 من شعبان 1424هـ 29 من سبتمبر 2003م يقول فيها:
كم أنت بالقرب، بالقلبِ
كما بالبعد أنتَ.
هلاّ كسيت بالألوان
وأطياف الألوان
ومسحت سماك
بفرشاة عطشى
للون الأخضر
والمرجان؟
******
انسلَّ الأخضرُ منك
وتباهي فيك النسيان
والشجر الشاحب ملتاع
يتوارى في جذر
ويجوب شتى البلدان
وبعد شهر نجده يغازل حبيبته (الرياض) من مطار اسطنبول بتركيا ففي الغربة اشتاق إلى قرص عيش (تميس) أو كبدة (حاشي) من الخباز (اليماني) فهو يرى أن المطارات صالات احتضار وليست صالات انتظار – فيتذكر الأعشى وناقته الجفول – ولكنه عندما يلتفت ويرى كونتاكي، وماكدونالد، ودنكن دونت، حوله ويتساءل: من أتي بي؟ إلى هذا المنعطف؟.
وقصيدة (سمعت عن وطن) نجده يكتبها من البحرين متذكراً فلسطين الحبيبة والتي مر على نكبتها خمسون عاماً، وما زلنا نلوك أذيال الخيانة، ونفترى بأننا الحماة، وأنَّا للقدس (سدنة)، لو نعترف بأنّنا النكبة وأسباب الخيانة.
فصلنا مقاييس عديدة
فصلنا شعوباً وقبائل
وملكنا أنواع القنابل
لنقتل من كان يقاتل
******
خارطة الطريق
مدريد!
(كامب ديفيد) العتيد!
من يا ترى
سيطفئ الحريق؟
محمد الدرة؟
أم مروان (الغريق)؟
أم مارد لا زال منتظراً
من يمسح (الإبريق)؟
يعود ليشكو الغربة بعد أن عاد إلى (بودابست):
رحب هذا المساء.
والصباحات على المشارف تدنو
قناديل مشرعة وحناجر
وآلاف الشموس
******
رحب هذا المساء
ساطع هذا الضياء
وأنا؟
بين هذا الكون
ملتحف هذي السماء
ولكنه يعود زائراً حبيبته الرياض فيقول لها:
كيف أنسى؟
وقع موسيقى اللقاء
كيف أنسى عطرها؟
ما تبقى عابقاً
بين ذرات الهواء
كيف أنسى أملاً
شق لي درب الحياة.
ويكتب من الرياض قصيدته (لن نحلم دوماً) نختار مفتتحها وخاتمتها:
في منتهى البساطة
لن نرتكب حماقة
لأننا شعوب تمجد الإنسان
حيث هو الكل
حيث هو الظل
حيث هو الإيمان
******
ليس لنا غير أن نحلم
أن نكتب
ربما الحرف يثور
أو سواه.. وما سواه
سوى حلم القبور
يا بهجة الحلم الجسور
فرِّق الصمت
ازرع الأرض أطيافاً
والحانا ونغما
******
ليس لنا سوى الحلم ولكن
إننا.. لن نحلم دوما
ونجده من فرط إعجابه بالرائد عبدالكريم الجهيمان وتقديره لدوره في المجتمع يوجه له رسالة يقول فيها:
يا رجلاً قُدَّ من فخر الزمان
هلاّ تريثت قليلا!
ومسحت عن جباهنا مرَّ الكلام
هلاّ أعدت لنا الغرس الجميل
ورويت لنا، قصص الشعب النبيل
******
يا راوي الشعب
احك لنا، عن صبرك
احك لنا، عن أقاصي نجدك
احك لنا، ما حكاه جدّك
احك لنا، عن البطون الخاوية
احك لنا، عن الأيادي الخالية
احك لنا، عن نضوب الساقية
احك لنا، عن الجراد غذاء للحفاة
والتمر أماني..
أحك لنا، عن عزة القوم
وأحزان الحياة