د. صالح بن سعد اللحيدان
تميل بعض الدراسات والمراكز المتخصصة اليوم في كثير من الدول الحديثة إلى اختيار عدة أعضاء من المرموقين من ذوي العلم أو السياسة أو الاجتماع أو الطب أو الاستشارات العقلية الواعية اختيار عدة أعضاء ليتم بعد ذلك رؤية واضحة نحو مسألة واحده أو نحو عدة مسائل تحتاج إلى نظر وتحتاج إلى جديد من الأراء المدعمة بالدليل أو المدعمة بالتعليل .
ويحصل هنا أن يتوقف بعض الأعضاء عن بذل رأيه لعدم وضوح المسألة له أو لأنه يريد مزيدا من الوقت وكما يحصل هذا فإنه قد يحصل أن بعض الأعضاء قد يخالف في رأيه .
فلما تميل هذه المراكز في الدول المعاصرة إلى اختيار الأعضاء مع أنه هناك علماء ليسوا ضمن هذه المراكز .
وهؤلاء العلماء قد يتصف بعضهم بجلال العلم وقوة الرأي
لعل السبب هو أن هؤلاء العلماء لا يرغبون في هذا فيعتذرون للحاجة الشخصية إلى التفرغ الذاتي للبحث والنظر وطول التأمل أو لأن طبيعتهم لا تميل إلى هذا أو لأن لديهم من الصفات النفسية مايجعلهم أنفسهم لايرجع إليهم كحدة الطبع مثلا.
وحب الانزواء .
ولهذا مثل هذا الصنف ليسوا ضمن من سوف يكونون ضمن هذه المراكز وسواها وإلا لو حصل هذا لتم اختصار الطريق.
إلى كثيرٍ من النوازل والاستشارات الضاربة في أعماق العقل التجريبي.
إن كثيراً من الصفات النفسية لدى بعض العلماء الذين يشار إليهم بالبنان خلال قرون سلفت ممن ذكرهم ابن خلدون وابن الأثير والذهبي وابن أبي حاتم وابن شبة والأزرقي ومن المتأخرين كثير معروف نجد أنهم ليسوا لهم إلا الكتب والأراء السامقة غير المسبوقة لكنهم لم يكونوا تحت دائرة عمل معين وإن كانوا يشاركون في لقاء أو محاضرة أو حوار أو ندوة ولعل حضور الواحد منهم يضفي ثقلا كبيراً من الراحة والطمأنينة .
ولهذا قد تخسر الحياة المعاصرة في كثير من المسائل المطروحة القطع والاجتهاد للحاجة مثل هؤلاء .
وإذا كان النقد بحد ذاته نقد الأراء ونقد فقه الأدلة وسياسة الحياة إذا كان النقد أمرا جيداً في بابه وقد يسد نسبة عالية من غياب من ذكرت صفاتهم إلا أنه يحتاج رؤية لازمة أن تكون بعد كل رأي ونظر وطرح متداول .
ذلك أن النقد يقوم العمل ويجدد الرؤية في كثير من المنازل في مناحي الحياة المعاصرة وإذا كان النقد على هذه الحيثية يسير جنبا إلى جنب في الدول المعاصرة فإنه حري بالأمر أن ينتج عنه أراء قد تصل إلى حد القبول شبه المطلق وهاهي الأراء والقواعد والأصول مدونة عند الأولين وفي كتب المتأخرين .
فعند تحرير العلم والاجتهاد المطلق والاجتهاد المقيد لايعودون إلى كتب الأخبار والسير لضعف الآثار فيها وخطأ المسار الذي سارت عليه لأنها عبارات عن جمع ونقل ورواية دون دراية ولهذا كان الحكام في أمم سلفت يعتمدون على التجديد الإضافي من الموهوبين إذا كانوا يتصفون بالولاء والنزاهة والأمانة.
وليس هناك حسب تتبعي في سياسة الإدارة العليا والتحليل العلمي وتحليلاتي النفسية مما جرى بين الإمامين محمد بن إبراهيم آل الشيخ وعبدالعزيز بن باز حول إرضاع الزوجة لزوجها فحين تم الخلاف كان هذا درساً للعلماء ممن عاصرهما حينها أو ممن جاء بعدهما في كيفية بيان وجهة النظر العلمية الحكيمة البعيدة عن الانقياد للرأي أو وجهة النظر .
ومع أن ابن باز كان أحد تلامذة ابن إبراهيم إلا أنه احترم رأيه ووجهة نظره وقدره.
وليس المقصود هنا إلا أن النقد إذا تجرد صاحبه ونشد الحق بضابط فهم النقد مع دليله أو تعليله كان ذلك قاعدة يسار عليها.
وأذكر أنني نقلت أحد القضاة سنة 1400 من موضعه إلى موضع آخر أخف من موضعه الأول لما نسي معاملة في مكتبه وأقفل عليها في الدرج وأذكر أن هذا شاع فصلحت حال كثير من القضاة.
و الإمام ابن إبراهيم والإمام بن باز لا جرم كانت وفاة هذين مصيبة كبيرة لا يملك معها المؤمن إلا قول ( إن لله و إنا إليه راجعون ) ونظر ترجمتهما وكيف كانت ردود ابن ابراهيم وبن باز على السائلين التي تحتاج إلى بيان وتوضيح من خلال النص و الإقناع العقلي لا شك أن الاطلاع على هذا يفيد .
وكم أردت في هذا الطرح وماسبقه وما أبثه من كلام أن يتكيء العلماء وسواهم على قاعدة صلبة من عقل سديد فيبتعد الكل عن مجرد النقل المعلوماتية والتحليل الظني دون فهم أصول وقواعد النقل والنقاش والرأي والوصول إلى النتيجة التي تؤخذ للعالم وسواه تؤخذ له لا عليه فيبقى خالد الذكر قوي الرأي سديد النظر محنك الشخصية.
هذا هو السبيل فليس من سبيل اللوازم أن يسعى المرء للذكر بين الناس من أجل الذاتية المجردة .
وأغلب الظن أن المراكز المتخصصة والهيئات العلمية الدقيقة هي اليوم بحاجة ماسة إلى أولئك العلماء حتى وإن كانوا يميلون لشدة الرأي ماداموا على درجة جليلة من الحفظ والفهم وموهبة النظر ماداموا في دائرة العقل والرأي السديد.