د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
اطلعت على نسخة مصورة من كتاب (التدريبات اللغوية والقواعد النحوية) وهو الطبعة الثانية، نشرته جامعة الكويت سنة 1999م، ونسب إلى أربعة من المؤلفين أ.د. أحمد مختار عمر، وأ.د. مصطفى النحاس زهران، د. فاطمة راشد الراجحي، د. عبدالعزيز علي سفر، وتبين لي بعد تقليب الكتاب أنه مأخوذ في معظم مادته النظرية ونصوص تدريباته من كتاب سابق نشرته دار ذات السلاسل في الكويت عام 1984م وهو (النحو الأساسي) وشارك في تأليفه أحمد مختار عمر ومصطفى النحاس زهران ومحمد حماسة عبداللطيف رحمهم الله، ومعنى ذلك أنّ كتاب التدريبات له مؤلف استبعد اسمه، وأضيف له مؤلفان لا نعلم مدى سهمتهما في الكتاب ولا كيفيتها، ومن أغرب الأمور تجاهل المقدمة لأصل هذا الكتاب بما يوهم أنه تأليف بديع، وما هو كذلك.
وورث كتاب التدريبات بالضرورة أوهام كتاب النحو الأساسي وافتقاره إلى الدقة، وأكتفي بضرب مثالين، من التطبيق والتنظير؛ لأن تتبع الكتاب كله يقتضي فضل وقت لا أملكه، جاء في كتاب التدريبات، ص 193، وفي النحو الأساسي، ص 326، السؤال الآتي:
«س1: في الجمل الآتية أخطاء نحوية، أعد كتابتها بعد تصحيحها:
- ما نجحت إلا فاطمة».
ويوهم هذا السؤال أن هذا الاستعمال خطأ، وهذا غير صحيح؛ إذ لا يمكن أن يوصف مستعمله باللحن، قال ابن يعيش «قد يُؤنَّث الفعل لتأنيثِ المستثنى، فيقال: (ما قامت إلَّا هندٌ). قال ذو الرُمَّة [من الطويل]:
310 - بَرَى النَّحْزُ والأجْرازُ ما في غُروضها *** فما بَقِيَتْ إلَّا الصُّدورُ الجَراشِعُ
ومن ذلك قِراءةُ الحسن، وجماعةٍ من القُرّاء غير السَّبْعَة(1): (فأصْبَحُوا لاَ تُرَى إلّا مَسَاكِنُهُمْ) [25- الأحقاف] فأنَّث، وإن كان القياسُ التذكيرَ؛ لأنّه من مواضع العُمُوم والتذكيرِ، إذ التقديرُ: فما بقي شيءٌ ولا يُرَى شيءٌ»(2).
وجاء في كتاب (التدريبات)،ص223، وفي (النحو الأساسي)، ص345:
«2-إذا كان الكلام تاما غير موجب:
- لا تَقُل شيئًا إلّا الصوابَ.
– لم يبق أحدٌ في الدار إلّا الخادمُ.
(لا مانع من نصب المستثنى هنا أيضًا، ويجوز أن يتبع ما قبله في الإعراب)».
يفهم من المثالين المذكورين أن أولهما لحالة نصب ما بعد (إلّا) على الاستثناء، ولكن المثال غير دقيق لأنه صالح أيضًا للتبعية، فـلفظ (الصواب) المنصوب يصح إعرابه بدلًا من (شيئًا) ويصح إعرابه مستثنًى، ويمكن تصحيح المثال فيقال (ما قيل شيءٌ إلّا الصوابَ). ويفهم من التقرير النظري غير المحرر أن حال النصب على الاستثناء وحال التبعية سواء، وليس هذا هو المشهور عند جمهور النحويين. قال ابن مالك:
ما استثنت (إلّا) مع تمام ينتصب *** وبعد نفي أو كنفي انتخب
إتباعَ ما اتصل وانصب ما انقطع *** وعن تميم فيه إبدال وقع(3)
قال الشاطبي «ويعني أن الاستثناء بإلّا بعد النفي أو ما أشبه النفي يختار فيه الإتباع للأول، فيجري على حكمه في الإعراب، إن كان مرفوعًا ارتفع، وإن كان منصوبًا انتصب، وإن كان مجرورًا انجر، وذلك إذا كان الاستثناء متصلًا، نحو: قولك: ما قام القومُ إلا زيدٌ، وما رأيت القومَ إلّا زيدًا، على الإتباع لا على الاستثناء، وما مررت بأحدٍ إلّا أخيك، وما أشبه ذلك ... ويجوز النصب لكن مرجوحًا غير منتخبٍ، فتقول: ما قام أحدٌ إلّا زيدًا، وما مررت بأحدٍ إلّا زيدًا»(4). وغاية ما أريده أن نتنبه إلى أن بعض كتب المتأخرين مفتقرة إلى التدقيق وإن كانت كتب تعليم أو تدريب.
(1) انظر: الخطيب، معجم القراءات، 8: 505.
(2) ابن يعيش، شرح المفصل، قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب (ط1، دار الكتب العلمية/ بيروت - لبنان، 2001 م، 2: 68.
(3) ابن مالك، ألفية ابن مالك، دار التعاون، ص21.
(4) أبو إسحق إبراهيم بن موسى الشاطبي، المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية (شرح ألفية ابن مالك)، تحقق: د. عياد بن عيد الثبيتي، جامعة أم القرى/ مكة المكرمة، 2007م، 3: 353- 354.