نورة القحطاني
أحد أهم العوامل التي قد يكون لها تأثير كبير على استقبال الروايات السعودية هو السوق الأدبي العالمي، حيث يلعب دورا هاما في النجاح التجاري لعمل معين. ولذا فإن تلك الروايات المثيرة للجدل، أو الفائزة بجوائز أدبية مرموقة، أو الأكثر مبيعا في موطنها الأصلي تضمن تقريبا اعترافا كبيرا وشعبية في جميع أنحاء العالم. وبناء على ذلك، يبحث الناشر الغربي عن أفضل الكتب مبيعا في العالم. وفي هذا السياق، من المفيد أن ننظر أولا في استراتيجيات التسويق التي استخدمت لتقديم بعض الروايات السعودية إلى القارئ الغربي، والتي تؤثر لاحقا على كيفية قراءة هذه النصوص.
الناشر الغربي يعرف جيدا ما يتوقعه الجمهور الغربي من روايات قادمة من العالم العربي نتيجة للتمثيل النمطي الذي ساد وما زال يجسد صورة المجتمعات العربية في وسائل الإعلام الغربية. وقد أشار إدوارد سعيد في كتابه عن الاستشراق أن وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك الأفلام والتلفزيون والصحافة تستخدم التعميمات كي تكرس القوالب النمطية للعرب، حيث أصبح الاستشراق جزءًا من الثقافة والإيديولوجيا الغربية كطريقة تشكل ملامح الخطاب الغربي عن العرب. وكتب إدوارد سعيد (2003، ص. 13)، في مقدمة جديدة لعمله الكلاسيكي (الاستشراق)، عن مدى تغير المواقف الغربية منذ نشر عمله في طبعته الأولى عام 1978، مشيرا إلى أنه كان يود أن يقول «أن هذا الفهم العام للشرق الأوسط، العرب والإسلام في الولايات المتحدة قد تحسن إلى حد ما، ولكن للأسف، إنه حقا لم يتغير».
وبالتالي، فإن معظم الناشرين الغربيين يميلون إلى استخدام الثيمات الاستشراقية لتسويق الروايات السعودية من أجل جذب اهتمام الجمهور الغربي. وفي واحد من أكثر الأمثلة الواضحة على هذه الاستراتيجيات التسويقية، ناشر الترجمة الإنجليزية لرواية بنات الرياض، دار بينجوين الشهيرة، التي أشارت في موادها الإعلانية عن الرواية إلى العمل التلفزيوني الأمريكي المعروف (الجنس والمدينة). ويشتمل غلاف الرواية الأحمر بشكل رئيسي على صور للمسجد والهلال وأشجار النخيل مع زوج من الأحذية ذات الكعب العالي والهاتف المحمول. هذه الإشارات تنبه القراء لمحتوى الرواية، ونوعها. كما كتب الناشر على الغلاف الخلفي للرواية: «اختارت الصانع فتح عالم النساء السعوديات الخفي: حياتهن الخاصة وصراعاتهن مع تقاليد ثقافتهن بجرأة أثارت ضجة كبيرة في العالم العربي. الآن في النسخة الإنجليزية، حكاية الصانع لنضال أربع شخصيات نسائية من الطبقة المخملية الشابة تقدم للغربيين لمحة غير مسبوقة عن مجتمع غالبا ما يكون محجوبا عن الرؤية. يعيش الجيل الحديث من النساء السعوديات في الرياض المقيدة، لكنهن يسافرن في جميع أنحاء العالم، يكسرن التقاليد في بحثهن عن الحب والوفاء ويصنعن مكانتهن في مكان ما بين المجتمع الغربي والإسلامي»
يوضح هذا الاقتباس كيف قام الناشر بتسويق هذه الرواية السعودية. حيث ركز على اعتبار هذه الرواية نافذة تعطي نظرة جيدة عن ثقافة مختلفة، مما يسمح للقراء باستكشاف «العالم الخفي للمرأة السعودية»، فهي تسلط الضوء أيضا على صراع البطلات بين عالمين (صراع الحضارات): المجتمعين الغربي والإسلامي. ومن خلال طرح السؤال حول نضال الفتاة السعودية لتحقيق التوازن بين ثقافتين مختلفتين: التقاليد الثقافية الصارمة في المملكة العربية السعودية والثقافة الغربية الحديثة.
وهكذا، فمن المرجح أن القارئ الغربي سيقرأ هذه الرواية إما للبحث عن الذات الغربية وتفوقها، أو اكتشاف الآخر العربي.
وفي مثال آخر عن تسويق الناشر للرواية السعودية جاء على الغلاف الخلفي لرواية رجاء عالم (طوق الحمام) عبارة دعائية توجه انتباه القراء إلى كليشيهات الاستشراق المعروفة عن العالم العربي/الإسلامي، فتصورها «بأنها روايةُ تكشف عن النمطية والمفاهيم التي تنتشر على نطاق واسع في المجتمع الغربي عن حقيقة أكثر إثارة للقلق، من خلال تصوير الرواية للتطور الحديث للمدينة الإسلامية المقدسة، في عالم عربي مُزق بين المحافظة المتشددة والتطلع نحو الحداثة التي تسقط وتدمر جذوره وهويته».
وبالتالي، فمن الواضح أن الترجمات الإنجليزية لهذه الروايات السعودية غالبا ما تعرضها كنافذة نادرة على حياة السعوديين الخفية لكشف المستور. وقد يرجع ذلك إلى «تاريخ طويل من تصوير المستشرقين للآخر ال عربي، وعلى وجه التحديد ما يسمى (الإثنوجرافية الاستشراقية)»
وبناء على ما سبق، فإن افتراضات ما قبل القراءة لها تأثير كبيرعلى تفسير القراء. حيث يدخلون إلى هذه الروايات مع بعض التوقعات المسبقة، وهم يتوقعون منها أن تكون نصوصا جريئة جدا لأنها جميعا كانت محظورة في وطنها الأصلي. ويتوقعون منها أيضا تقديم تفاصيل إثنوجرافيّة عن الثقافة والتقاليد والعادات السعودية.
وقد يتوقعون أيضا أن تكون مشابهة للروايات العربية المترجمة الأخرى والتي تعرض الصور النمطية للعالم العربي/الإسلامي الذي يعرفونه من خلال نصوص المستشرقين. ويأخذ الكتّاب في الصحافة الغربية بعين الاعتبار، إلى حد ما، آراء قرائهم وتحيزاتهم عندما يكتبون لهم عن كتب جديدة من ثقافات مختلفة. ولذلك يصبح الصحفيون «صانعي رأي» بقدر ما يعكسون وجهات النظر الاجتماعية والثقافية والإيديولوجية للمجتمع الذي دربهم على القراءة بطريقة معينة.
فنجد مثلا أن رواية (بنات الرياض) قُدمت للجمهور لأول مرة في وسائل الإعلام الغربية باعتبارها الرواية السعودية المحظورة الأكثر مبيعا، حتى قبل ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية. وقد أكد بعض الصحفيين أن الرواية أصبحت «شائعة في جميع أنحاء العالم العربي، وأنها من أكثر الكتب مبيعا في معارض الكتب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والذي بدوره أدى إلى لفت انتباه الغرب إلى هذه الرواية، ومن ثم اختيارها للترجمة إلى اللغة الإنجليزية. ومنذ ذلك الحين، تم تسويقها باستمرار باعتبارها الأكثر مبيعا في سياق الاستقبال الغربي، مع الإشارة إلى معركة الرقابة في العالم العربي، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. كما ظهرت أيضا أوصافُ مماثلة في الكتابة عن رواية (ترمي بشرر) لعبده خال حيث ركزت بعض الصحف الغربية على أن «كتبه لا تباع في المملكة العربية السعودية رغم فوزه بجائزة البوكر». وبالمثل، وُصفت رواية رجاء عالم (طوق الحمام) بأنها «غير متوفرة» في موطنها الأصلي، ولم يتم تمريرها من قبل الرقيب السعودي». ومن خلال تسليط الضوء على الجدل حول هذه الروايات المحظورة، يتم لفت انتباه القراء مباشرة إلى قضايا الرقابة التي لا تزال تواجه الكتّاب في العالم العربي. سنجد مثلا الكاتب في صحيفة واشنطن بوست (سكوت ويلسون، 2005) يركز على قضية الرقابة ويشير إلى بعض الكتاب السعوديين الذين تحدوا التابو وانتقدوا القيود المفروضة على حرية الرأي، مثل يوسف المحيميد «الذي (حسب رأيهم) يمثل جيلا جديدا من كتّاب الرواية، ويكتب عن أكثر الموضوعات إثارة للانقسام في العالم العربي».
وعند شرح الأسباب التي جعلت هذه الروايات السعودية محظورة في المجتمع السعودي، تقدم المقالات في الصحافة الأمريكية مثلا مجموعة واسعة من التفاصيل تعكس التوقعات الغربية حول الثقافة العربية/الإسلامية. على سبيل المثال، تبدأ (مالينا وتروس، 2007) - الكاتبة في صحيفة سان فرانسيسكو- بإثارة عدد من الموضوعات المثيرة للجدل في رواية (بنات الرياض) من خلال التركيز على أنها «منعت في وطنها، لأنها تمثل رواية الجيل الجديد للنساء المحجبات»، وكانت في نظرها ممنوعة «بسبب السلوك الفاضح للشابات بطلات الرواية».
ولفتت مقالة أخرى الانتباه إلى موضوعات الرواية الجنسية، مشيرة إليها بأنها «اعترافات جنسية مكتوبة كمدونة على الانترنت، تكشف المجتمع النسائي في المملكة العربية السعودية الحديثة».
وبالنسبة للقراء الناطقين بالإنجليزية، يبدو المجتمع السعودي على أنه «غريب» و «مختلف» في ثقافته وأدبه، وهذا يخلق اهتماما لقراءة الروايات السعودية ومعرفة المزيد من المعلومات حول هذا المجتمع. فالحياة اليومية، والحب، والزواج، والطلاق والجنس هي موضوعات بسيطة تنعكس في أكثر المقالات الإنجليزية عن الروايات السعودية. على سبيل المثال، فإن الموضوع الرئيسي الذي تم التركيز عليه في هذه المقالات حول الروايات السعودية هو أنها تكشف «أسرارا خفية»، ومن ثم دعوة قرائهم لاستكشاف المجتمع السعودي. وكثيرا ما طرحت الصحافة الغربية فكرة أن المملكة العربية السعودية «واحدة من أكثر البلدان قمعا على وجه الأرض، حيث القليل من الحريات في مجتمع مغلق».
وهكذا، فإن بعض الصحفيين الإنجليز مثل (روجر هاردي، 2006) يرى أن هذه الروايات السعودية «سوف تخبر القراء أكثر عن واحدة من أكثر المجتمعات غرابة وانغلاقا بشكل يفوق مكتبة من الكتب والم قالات». وفي ضوء هذا الرأي، فإن المتلقي الغربي لهذه الروايات السعودية كثيرا ما يستخدم كلمات مثل «الغموض»، و «السرية»، و «استكشاف»، و «رفع الحجاب»، و «كشف». وقد انعكس هذا في العناوين والعبارات الرئيسية لبعض المقالات كاشفا عن الكيفية التي فهمت بها هذه الروايات السعودية، وكيف ينظر إليها في وسائل الإعلام الغربية.
هذه الأمثلة ليست سوى عينة صغيرة تم اختيارها من بين أكثر من ذلك بكثير والتي تكرر أفكارا مماثلة تُظهر درجة أكبر من طبيعة التلقي الغربي لهذه الروايات. وبالنظر إلى هذه الأمثلة، فإن إمكانية التعرف على أجندات متقاربة تهيمن على الشكل الخاص للتفسيرات والاستجابات لهذه الروايات في السياق الغربي يصبح واضحا. وتبعا لذلك، يبدو أن العديد من القراء الغربيين الذين اهتموا بهذه الروايات السعودية يميلون إلى اعتبار هذه النصوص وثيقة سوسيولوجية عن حياة السعوديين.
وفي الوقت نفسه، تدعم هذه الفكرة الافتراضات بأن المجتمع السعودي محافظ، تقليدي وغامض، مما يحوله إلى آخر» عند القارئ الغربي.»
ويبدو أن الرغبة في اكتشاف الآخر شكلت سببا مهما في ترجمة الروايات السعودية، وخاصة روايات المرأة، وقراءتها من قبل الجمهور الغربي، حيث «تجذب الكاتبات المسلمات في بعض الأحيان اهتمام الغرب ليس من أجل جهودهن الأدبية بل من أجل استخدام نصوصهن في فضاء سياسي أكبر». وفي حالة الروائيات السعوديات، يمكن ربط هذا الأمر برؤية النساء السعوديات/المسلمات كضحايا، لذلك تصبح كل من تفعل شيئا لا يتفق مع تلك الصورة النمطية شجاعة كما حصل مع رجاء الصانع التي وصفت في الصحافة الغربية بالفتاة الشجاعة.
إن مناقشة هذه الأمثلة تشير إلى أن استقبال الروايات السعودية المختارة تأثر بشكل كبير بأفق توقعات هؤلاء القراء الغربيين الذين يعيدون إنتاج خطاب الاستشراق السائد عن الثقافة العربية/الإسلامية. ومع ذلك، ليس جميع الكتاب في الصحافة الغربية يتقاسمون هذه المواقف الاستشراقية. ولكن بعضهم الآخر كسر هذه التوقعات من خلال البحث عن عناصر جديدة ومألوفة في خطاب الروايات السعودية المترجمة، وتفسيرها بدلا من ذلك كسلعة تشكل جزءًا من التبادل الثقافي والعولمة.
وفي هذه الحالة، انحرف التركيز تماما عن تقديم هذه الروايات السعودية بأنها «غريبة» و «مختلفة»، بل تم تصنيفها على أنها أمثلة لأنواع فنية جماهيرية، ومشهود لها بالعالمية.
وختاما حاولت هذه المقالة دراسة استقبال الروايات السعودية في الصحافة الغربية وأشارت إلى مجموعة من العوامل التي عززت قراءة هذه الروايات في السياق الغربي بما في ذلك المؤلف (الجنس والجنسية) والناشر وإعلان الناشر وإدراج الرواية في قوائم الأفضل مبيعا وغيرها. ويمكننا القول إن رواية بنات الرياض تلقت تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الغربية والاستعراضات النقدية في حين أن الروايات السعودية الأخرى بدت تكافح من أجل كسب القراء على نطاق أوسع. وقد يرجع هذا الاختلاف إلى تنوع استراتيجيات التسويق التي استخدمت لإدخال الرواية في السياق الغربي، إلى جانب الجدل المحيط بالنص، والذي أثار اهتماما خاصا برواية الصانع.