كل إنسان لديه الكثير من الدواخل والمشاعر التي لا تُماثل في حقيقتها التفصيلية ما لدى الآخرين، وإن بدت كثير من التجارب متشابهة في شكلها العام.
وهذه المشاعر لا بد أن تخرج طوعًا عن طريق الحكاية، أو كرهًا عن طريق الأفعال غير الإرادية والتي منها الأحلام كما يؤكد على ذلك سيجموند فرويد.
يهمنا هنا الطريق الأول: الحكاية، التي هي فعل مسؤول يتجه إليه صاحبه لكي يَسْمَع ويُسمع، يُفيد ويستفيد، يَعرف ويُعرف، وهو طريق قديم قدم الإنسان، تختلف ماهيته وطريقته باختلاف الزمان والمكان والثقافة.
والحكاية تعمل على تخفيف الضغط الداخلي الذي يشعر به الإنسان نتيجة الكبت، ألا تشعر براحة نفسية عندما تحكي؟! كما تعمل الحكاية على تطوير المجتمع من خلال بث التجارب الإنسانية بتفاصيلها المعقدة ومن ثم تكون الفائدة، فائدة تكوين العقد الاجتماعي بطريقة تداولية عملية، بعيدة عن التنظير الفاضل المفارق للواقع.
إذن، الحكاية تعمل على مد جسور اجتماعية بين الأفراد والجماعات، لكن شرطها الأبرز هو الاستخدام الاستعاري الجمالي للغة، والبعد قدر الإمكان عن التصريح القولي، وكل ذلك للجمع بين المتعة والعصف الذهني الذي ينتج عن محاولة تفكيك النص ونقده وفهم غوامضه.
إن قراءة التجارب الإنسانية الغامضة والحزينة والمضحكة والمخيفة، ومعرفة دواخل النفس، وطريقة الحلول الفردية للإشكاليات اليومية، وكيفية الخروج من القضايا الشائكة، وعلاقة الفرد بالدين والسياسة والمجتمع والأخلاق، وغير ذلك من المواضيع يكتسبها القارئ للأدب بنوعيه الشعري والنثري، وهذا ما يفسر لك الاهتمام الكبير للأمم المتقدمة بدراسة الأدب وتطويره وتكثيف أنواعه، تجد ذلك عند الإغريق والرومان وصولا إلى العالم اليوم، العالم الأول تحديدًا, وكل ذلك يؤكد على دراسة الأدب باعتباره البنية الأساسية لتقويم الفرد والمجتمع.
هل النقد ساعد في دراسة الأدب كما يجب؟ لا أظن ذلك!؛ لأن الاتجاه الواضح إلى «منطقة» النصوص وإبعادها عن مضامينها الشعورية العاطفية جعل الهُوة تزداد اتساعًا على الدارس لفهم النص واستشعاره ونقله لعامة الناس، ونتج عن ذلك غُربة واضحة بين الناقد والنص الأدبي حتى غدا بعض المتذوقين للأدب أكثر اتصالًا بالنص من الباحث المتخصص، ألا ترى انتشار هذه الظاهرة في مواقع التواصل وعلى شاشات التلفاز؟, وهذا الأمر (غير العلمي) يجعلنا نطالب بإعادة النظر في طريقة دراستنا للأدب على غرار ما طالب به تزفيتان تودوروف في كتابه (الأدب في خطر).
خاتمة:
قد يقال: الغرب وصل إلى القمر ونحن مازلنا نتدارس أشعار المتنبي ونثريات الجاحظ! وغاب عن القائل أن الغرب ما وصلوا إلى القمر والمريخ إلا بعد تشبعهم بالقيم التي قرؤوها في الأدب، فنتج عن ذلك رغبة جامحة لمعرفة ما وراء هذه الأرض التي نعيش فيها، فهم بدؤوا بالأدب وانتهوا بالقمر، ولعل سيرة أينشتاين وستيف جوبز توضح ذلك وتشرحه.
** **
- طارق القرني
للتواصل مع (باحثون)
bahithoun@gmail.com