هل نعيش في عالم واحد؟ ... يقول كثيرون: إن «العالم» أصبح قرية صغيرة بعد «الثورة الرقمية»، وهذا القول ليس جديداً فقد قيل تاريخياً بعد اختراع السفن البخارية والقطارات، ثم السيارات والطائرات ووسائل المواصلات الأخرى والمذياع والجرائد والتلفاز وغيرها.
بالرغم من التطور الهائل في وسائل الاتصال والتواصل، إلا أنها لا تعدو عن كونها وسائل يمكن استخدامها لعولمة «الفضيلة» أو «الرذيلة»!
كانت ولازالت عولمة «الرذيلة» متفوقة على عولمة «الفضيلة»، فغالبية الوسائل استخدمت أولاً كسلاح للهيمنة ثم تم تعميمها بعد ذلك للاستخدام العام. أما عولمة الفضيلة كانت ولازالت محاربة من «المافيات» منذ المحاولة الأولى في تاريخ البشرية التي قام بها الاسكندر المقدوني وفيلسوفه الإستراتيجي المادي العظيم «أرسطو»، الذي حوّل «خيال أو طوباوية» أستاذه «أفلاطون» إلى مشروع مادي قائم على المعطيات العلمية المتوفرة في ذلك الوقت.
لقد اكتشف أرسطو في أيام «العبودية الوثنية» أن العولمة حاصلة لا محالة، ولكي لا تكون لصالح الأسياد أو الظلم أو الرذيلة، لا بد من نبذ «القدسية المزيفة» للأسياد وإعادة هيكلة العلاقات الإنسانية على أساس الفضيلة، ولكنه لم يدرك –ولم يكن بإمكانه أن يدرك في ذلك الوقت- أن القوّة هي وسيلة الظالم للهيمنة على المظلوم ولا يمكنها أن تكون وسيلة المظلوم للإطاحة بالظالم! ذلك لأنه ببساطة شديدة يبقى الظالم الذي يملك الثروة هو الأقوى!
وبالرغم من فشل الاسكندر في عولمة الفضيلة إلا أن مشروع أرسطو لم يسقط! فقد تلقفه الفلاسفة المسلمون وعلى رأسهم «ابن رشد» وفلاسفة عصر النهضة وعلى رأسهم «هيغل» وفلاسفة عصر التنوير والثورة وعلى رأسهم ماركس، وطوروه وارتقوا به إلى آفاق جديدة، ولكنهم جميعاً لم يهتدوا إلى الوسيلة لتنفيذه!
راودني السؤال «المؤذي صحياً وفكرياً وإنسانيا» طوال حياتي .. هل يمكن عولمة الفضيلة؟ ... إذا كانت القوَة غير مجدية فالظالم أقوى، فهل يجوز حتى التفكير بإحلال العدالة الاجتماعية؟ خاصة وأنها لا تعني دولة بعينها، بل العالم أجمع؟ وكيف يتم ذلك إذا كانت القوة غير مجدية؟ حتى لو كانت «العدالة الاجتماعية» هي إرادة المخلوقات كلها؟ ... أقول إرادة «المخلوقات» ولا أقول «البشر»، لأن الظالم فقد إنسانيته ولا يجوز جمعة مع البشر!
الجواب جاءني من «صراع العوالم»! .. فتوجد عولمتان بينهما حرب ضارية، الأولى عولمة الظالمين منذ أيام أرسطو والتي ينحسر نفوذها في الوعي، وحالياً على الأرض كذلك، والثانية عولمة المظلومين التي يتسع نفوذها في الوعي سابقاً، وفي الوعي وعلى الأرض حالياً! حيث روسيا-ما بعد الاتحاد السوفيتي- والصين والدول الحليفة يتسع نفوذهم بدون حروب! ما عدا حروب الردع التي يضطرون لها، وذلك لأن عولمتهما مبنية على مصلحة كل شعوب الأرض، ومن الضروري إجراء عملية تنمية عالمية شاملة، وتبقى حروب الردع للحماية من هجمات العولمة المضادّة فقط.
أما في الوعي فالجواب جاءني من «الإنسان» «العربي» «الأصيل» في تونس الشهيد «محمد البوعزيزي»، الذي فجر حراكاً ثورياً عربياً في بداياته، وعالمياً في استمراريته، انتشر كالنار التي أحرقت البوعزيزي في هشيم الطغاة واحداً تلو الآخر، ومستمرا لينال من الآخرين! ولن يقتصر على الأفراد، بل سيلتهم الإمبراطوريات القائمة على النهب والطغيان!
لقد فاجأني خبرُ سارُّ وأنا أكتب هذه السطور: وهو إسقاط المضادات الجوية السورية لطائرة أف 16 إسرائيلية فوق الجولان، وأن الأمريكان يبحثون استخباراتياً عن نوع الصاروخ الذي أسقطها ... وإنني «شخصيا» أقترح على الدولة التي صنعته، سواء كانت روسيا أو الصين أو إيران أو الهند أو «غزة» أو سوريا نفسها، أن يطلق عليه اسم «محمد البوعزيزي».
- د. عادل العلي