ترجمة - حسن الحجيلي:
تُعتبر جدلية التفكير من أهم إسهامات الثقافة الأمريكية عبر سلسلة نكت الأطباء المبتذلة، من فئة: «هناك خبر سعيد والآخر سيئ.» فعلى سبيل المثال: الخبر السيئ هو أنّ السرطان متفشٍ في جسدك وستموت خلال شهرٍ واحد، ولكن الخبر السعيد هو أنَّ اكتشفنا إصابتك بمرض ألزهايمر، فبالتالي ستنسى الخبر السيئ عند وصولك لمنزلك. ومن المفترض ان نتصرف بنفس النهج تماماً فيما يتعلق بالراديكالية السياسية. فبعد الكثير من الأخبار «السيئة» -وبعد رؤية الكثير من الأمل الذي يُسحق بكل وحشية في فضاء الممارسات الراديكالية، ونراه يتمزق بين نموذجين في حالتهم القصوى مثل أليكسيس تسيبراس و نيكولس مادورو-، ورغم أنَّ فكرة نجاحهما مُغرية إلا أن هذا النوع لن يحظى بفرصة تُثبتها، كونهما مُدانين منذُ البداية، وكل أمل لأي تغيير حقيقي وفعال ليس إلا مجرد وهم. بالتالي بدلاً من البحث عن النقيض عند الإشارة إلى «الأخبار السيئة» وتبني رؤية سعيدة، ينبغي أن نتعلم تمييز الجيد الكامن في داخل أي سيئ عبر إدراك السيئ من عدة جوانب. لنتأمل احتمالية التشغيل الآلي الأتوماتيكي والتي تُرعب الكثير من الناس لأنها تقلل من فرص عمل الأفراد فينتج عنها كتلة بشرية من البطالة، ولكن لماذا نخشى هذه الاحتمالية؟ ألا تفتح هذه الاحتمالية فرصة خلق مجتمع جديد فيه نعمل بشكل أقل؟ على أي صعيد سينهض المجتمع إذا تحول السيئ تلقائياً إلى سعيد؟.
لقد أخطأ كارل ماركس عندما قدم إحصائية بديلة عن النهاية الوشيكة للرأسمالية أو على الأقل كما يصفها النهاية الحتمية، ولكن في الواقع الرأسمالية تنجو دائماً، فلم يقدم ماركس تحليل للطريقة التي تُخلد فيها الرأسمالية نفسها، فبعد كل أزمة تنبثق الرأسمالية من جديد. وكما وصفَ عالم الاجتماع الألماني فولفجانج شتريك أن الماركسية شاهدت «الأزمة الأخيرة» للرأسمالية بشكل صحيح، وهي المرحلة التي ندخلها اليوم، ولكن غاب عنها أنّ هذه الأزمة من التدهور والتفكك عملية طويلة الأجل، ولكن بدون وكيل يعطي التدهور تحولا فعليا ونقلهُ إلى منظومة اجتماعية عظيمة، وبدون الطريقة الهيغيلية لتحليل التدهور، لا تستطيع الرأسمالية النهوض وتجاوز مشهد الانهيار.
قال جورجيو أغامبين في مقابلة: «إنَّ التَفَكَّر هو الشجاعة في اليأسِ» ؛ بإدراك العلاقة الوثيقة بين صلة اللحظة التاريخية و الزمن الذي نعيشة، حتى أن أكثر القراءات التشخيصية تدعو للتشاؤم، ولكنها عادة تُختتمُ بتصورِ الوهمْ في أنَّ النورَ ينتظرنا آخر النفق. فالشجاعة الحقيقية لا تكمن في أنّ نتصورَ بديلاً، ولكن في قبول عواقب عدم وجود بديل للأثر العالمي الذي خَلَفته الرأسمالية، فلا يوجد بديل تقليدي يمكن التعرف عليه وتحديده بسهولة. وحلمُ البدائل هو علامة على الجُبْن التنظيريِ، فهي بمثابة صناعة صنم يعيقنا عن التفكير من داخل مأزق طريقنا المسدود، وسيحدث ما يحدث لا محالة. باختصار، الشجاعة الحقيقية هي بالاعتراف أنَّ النور في آخر النفق هو نور قطارٍ آخر متجه نحونا من الجهة الآخرى.
شيء أخير، حتمي، بعد كل ما ذُكرَ: أنَّ اليوتوبيا المطلقة، اليوم، تتكون من نفس آليات التفكير في التصور أننا إن لم نقم بأي شيء، وببساطة نحافظ بحكمة على النظام العالمي القائم، ستستمر الحياة كما هي.
** **
- مقال قصير من سلافوي جيجك، نُشر في مجلة نيوفو الفرنسية بتاريخ 1 يناير 2018، ونقله للإنجليزية جوليوس جافروش بتاريخ 4 يناير 2018 بعنوان:» سلافوي جيجك و أوهام الأمل «.