د. عبدالرحمن الشلاش
ظهرت موضة الجامعات الوهمية قبل أكثر من عشر سنوات تقريبا، وربما أكثر من هذا الزمن بقليل، لكن ما أنا متأكد منه أنني قد كتبت عن هذا الموضوع قبل عشر سنوات لبحث ظاهرة سيئة جدا وخطيرة على المجتمع. كان هدف من سعوا للحصول على الشهادات المضروبة من ذلك الوقت وإلى اليوم الحصول على الشهادة العالية الدكتوراه دون بذل أي جهد ومقابل حفنة من المال كي تدفع بهم إلى مراتب مرموقة في المجتمع، وظهور أسمائهم المجهولة متزينة بحرف الدال الذهبي الذي سيتيح لهم الظهور في كل المواقع وسط مجتمع لا يدقق كثيرا فيما وراء الحدث، فمثلا فلان حصل على درجة الدكتوراه لن تجد من سيسأل متى تم الحصول على الشهادة، ومن أي جامعة، وفي أي دولة تقع تلك الجامعة إن كانت موجودة أصلا، وماذا تتميز به من تخصصات إن كانت موجودة في خريطة الجامعات، إلى آخر القائمة من الأسئلة!
في النهاية لن تجد من يسأل خاصة من العامة بل ربما تتقاطر الجموع للمباركة وإزجاء التهاني وإقامة الحفلات، ويتحكم غالبا في تلك السلوكيات غير السوية العلاقات الشخصية، والتوجهات الفكرية أو الحزبية أو الشللية أو التطبيل المتوقع من القطيع المغيب الذي ينبهر عادة بالأشكال والكلمات المنمقة، والخطابات الحماسية والملتهبة أما المحتوى فهذا آخر ما تفكر فيه مثل تلك العقليات غير الواعية!
لذلك وجد لصوص الشهادات خلال السنوات الماضية بيئة ملائمة لتحويل شهادات الوهم من الجامعات الوهمية إلى حقيقة رغما عن كل نداءات المخلصين، وتحذيرات الخائفين على مستقبل الأجيال فاقتحموا عوالم كثيرة وخطفوا الفرص من أصحاب الشهادات الحقيقية، فتواجدوا في مجالات الدعوة والرقية والتدريب والفلك والمناخ والطقس، والطب الشعبي والتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتواجد في مواقع التواصل، وفي كل موقع يستطيعون الوصول إليه!
كنت أظن أن هذه الظاهرة قد تلاشت أو قاربت إلا أنني وبكل أسف أكتشف كل يوم أن هؤلاء مازالوا يمارسون أعمالهم ويستخدمون اللقب غير المستحق في كل تحركاتهم، ودون أن يجدوا من يوقفهم. في إطار حملة الدولة ضد الفساد لماذا لا يوجه للمشتبه بهم في الحصول على شهادات مزورة سؤالا واحدا «من أين لك تلك الشهادة التي تحملها؟» ليوضع حد لتلك الظاهرة التي استمرت أكثر من عقد من الزمان وخلفت الكثير من المآسي!