هناك بشر في حياتنا يوزنون بأغلى من الذهب والألماس حتى يُخيل إلينا أنهم ملائكة تمشي بيننا على الأرض! ففي ذلك السبت الذي أرهقنا بغباره عرجت روح صاحب الأيادي البيضاء أحمد حسن عبد الله النمر إلى بارئها.
عاش أبو عبد اللطيف -رحمه الله- إنسانًا بسيطًا متواضعًا، قوي الشخصية، جميل المعشر محبوبًا بين الناس، مكافحًا عصاميًا فحين ضاقت عليه بلاده الأحساء بما رحبت من خير، ونخيل، وحب، وتسامح ضرب في أرض الله الواسعة في عدة دول فعمل في عدة مهن، فلما منَّ الله عليه بخير وفير استقر به المقام في الدمام فاستثمر جزءا من ذلك في دعم الأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين. وفي آخر سنوات حياته فكر في عمل يخدم به الناس ويدوم بعد وفاته إلى ما شاء الله فلم يجد أفضل من بناء مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حي الدانة فمنحه ماله ووقته وجهده فغدى مسجده واحة للإيمان والعلم بفضل رعايته، واهتمام شيخي المسجد عبدالله وعبدالمحسن النمر متعهما الله بالصحة.
وفي سنته الأخيرة اكتفى بأداء صلاة الجمعة فيه لكبر سنه، وتدهور صحته حتى اشتدت عليه آلام مرض الموت، فودع دنياه في الثالث من جمادى الأولى 1439 عن عمر ناهز الخامسة والثمانين تقريبا، فشيعه في مقبرة الشهداء جموع غفيرة على الرغم من سوء الأحوال الجوية في ذلك اليوم.
إن الناس لا يموتون إلا حينما ننساهم، وأبو عبداللطيف باق في قلوبنا بأعماله، ومسجده، وإن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا أبا عبد اللطيف لمحزونون، فالسلام عليك يوم ولدت، ويوم مت، ويوم تبعث حيا، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ولله در شاعرنا حسين اللويم حين رثاه بقصيدته «وداعا أبا عبد اللطيف»:
على كفه بُني المسجد
فأشرق في وجهه العسجد
وحزنا عليه يفت الفؤاد
مدى الدهر أيامه سرمد
ألا قر عينا فحتما ستبقى
مثال العطاء الذي يُحمد
- علي صالح الفهيد