د. خيرية السقاف
حين يوضع «الإسلام» بين فكي أعدائه فلا غرابة مما يكون عليه موقفهم منه, ومن أهله, ذلك واقع مُدرك منذ أثبته كلام الله, وإخبار رسوله العظيم عنهم, لذا ختم الله الحقيقة بيقين قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ},.. فما حال المسلم اليوم في معمعة العولمة التي دهمت كل ثغرة, وجذبت كل وجدان؟
وهو الذي لن يقبل دينه دون أن يمتثل فيه لما يرضي الله تعالى مفصل كل جزء فيه في الكتاب, والسنة, وبشرح العارفين الخبراء الذين جعلهم الله ورثة الأنبياء, وهم أولئك الذين قال فيهم الله تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}..
إذن فما دام الله تعالى لن يقبل بغير الإسلام عقيدة, فإنه أيضاً يأمر بمعرفة مقاصدها, وباتخاذ مسالكها, وباجتناب نواهيها, وإذن لن يتحقق ذلك للمسلم إلا بالطاعة عند الاهتداء, وبالتنفيذ بالاقتداء بأفعال ما جاء عن رسول الهدى عليه الصلاة, والسلام, الذي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}, وهو لن يتحقق له تمام مسلكه إلا بتمام إيمانه, والإيمان يرتبط بكل خيط في نسيجه بطاعة الله, واتباع سنن نبيه, مجتنباً من يسلم نواهيه, متبعاً أوامره, يأخذ بما أباح وفسح, ويقف عند حد ما منع ولم يجز, ويكون وسطاً لا يغلو, ولا يتشدد, كما لا يفرِّط, ولا يفرط..
مع أن الضعف قائم ببشرية الإنسان مما يجعلها لا يتم لها الكمال في محك الطاعة, والعصيان, لكن أمامهما يتسع عفو الرحمن, ورحمته حين يكون الدين في الجوف ثقة في الله, وطمعاً في عفوه, {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}..
كل هذا معروف, ومبسوط بين عيني الجميع, لكن, ما بال الكثرة منهم يميلون بعيداً ميلة الغافلين, يزيدون من فراغ جُعبهم من معرفة ما يوقيهم ضلالة الزلل, ويجنبهم هشاشة الجذر, ويقصيهم عن ضعف الجذع, ويحفظهم من جفاف الغصن, ويعصمهم عن عجف الثمر, هؤلاء الكثرة يتراكضون مع التيارات, يتحلّلون من التمكّن من دينهم, بالتساهل في حدوده, والتفريط في نواهيه, والتغافل عن أوامره, والإمعان في الإسراف مروقاً عنه, مظهراً, ومخبراً, رجالاً, ونساءً, صغاراً, وأحداثاً,.. حتى إنهم باتوا يسخرون حتى من المعتدلين الذين لا يفرطون, ولا يغالون..
إن الدين ليس هوية في بطاقة اسم, ولا تشدقاً بماض, ولا تفاخراً بتاريخ, ولا اعتداداً بانتماء, الدين فكر, وقلب, وفعل, وقول, هو خلاصة في سلوك, هو المظهر, وهو المخبر..
هو الشهيق مع اللقمة والشربة, وهو الزفير مع البهجة والكدر..
هو الكلمة يخافها قائلُها, وهي النية يحذَرُها مُبطِنها..
هو الكساء, واللمحة, والمنطق, والنظرة..
هو العمل, والنجاح, هو التفوق والإنجاز, هو الانتصار, والتمكن
هو القيمة, والقدرة..
هو الممشى, والجلسة, والضحكة, والهمسة..
هو الصلاة والزكاة, والأمانة, والخشية, والتقوى..
هو التربية, والتعليم, والتنشئة, والقيم..
فكيف هو حال المسلم اليوم من هؤلاء مهما كانت الدوافع,
وآثار التراكمات, ومؤثرات الماضي..؟