أكْتُبُ هَذا الفَصْلَ وَأنا عَلى مَتْنِ الطَّائرَةِ، أحِبُّ أنْ أكونَ عَلى ارْتفاعِ 35000 قَدَمٍ، لا شَيْءَ يُشَتِّتُ الانْتِباهَ، لا مُقاطَعات، بَلْ هُوَ وَقْتٌ خالِصٌ لِلتَّفْكيرِ بِاسْتِثْناءِ مُشْكِلَةٍ وَاحِدَةٍ: لَقَدْ نَسيتُ أنْ أُحْضِرَ مَعي كَمِّيَّةً كَبيرةً مِنَ الماءِ! وَسأشْرَحُ لَكَ...
إنَّ مِنْ أفْضَلِ مُمارَساتي أثْناءَ السَّفَرِ بِالطَّائرةِ تَناوُلَ قَدْرٍ كَبيرٍ مِنَ الماءِ، وَبإمكاني أنْ أشْرَبَ لترًا مِنَ الماءِ بِكُلِّ سُهولَةٍ؛ فهَذا يَمْنَعُ الجَفافَ، وَيُبقيني مُمْتَلِئًا بِالطَّاقَةِ، وَيُحافِظُ عَلى حِدَّةِ الذِّهْنِ. الكَثيرُ مِنْ أضْخَمِ أفْكاري تأتيني وَأنا في الطَّائرَةِ، وَعِنْدَما أغادِرُها، بدلًا مِنْ أنْ أكونَ مُتْعَبًا، أتَوَجَّهٌ إلى بَيْتي مُباشَرَةً لِعَمَلِ أشْياء مُمْتِعَةٍ مَعَ أوْلادي، وَلَكِنْ قَبْلَ هَذِهِ الرِّحْلَةِ- لأنَّني كُنْتُ في عَجَلَةٍ مِنْ أمْري لِحَجْزِ تَذْكَرَةِ السَّفَرِ- فاتَتْني طُقوسي الخاصَّةُ، لَمْ أقُمْ بِشِراءِ المِياهِ المَعْدنِيَّةِ المُفَضَّلَةِ عِنْدي، فَخَمِّنْ ماذا فَعَلْتُ؟ لَقَدْ طَلَبْتُ بَعْضَ الماءِ.
الطَّلَبُ لا يَضُرُّ أبَدًا
تَوَجَّهْتُ نَحْوَ المُضيفَةِ، وَأوْضَحْتُ لها أنَّني أشْرَبُ قَدْرًا كَبيرًا مِنَ الماءِ، وَسَألتُها إنْ كانَ في إمْكانِها مُساعَدَتي بِإحْضارِ زُجاجَةٍ كَبيرةٍ مِنَ الماءِ مِنْ نَوْعِيَّةٍ جَيِّدَةٍ، إذا كانَ ذَلِكَ مُتوافِرًا عَلى الطَّائرَةِ! أعْرِفُ أنَّهُمْ في المُعْتادِ لا يُوَفِّرونَ إلَّا كوبًا وَاحِدًا أوِ اثْنَيْنِ لِكُلِّ راكِبٍ، وَلَكِنَّني أعْتَقِدُ بِشِدَّةٍ أنَّ الطَلَبَ لا يَضُرُّ أبَدًا، وهَذا مَبْدَأ أُحاوِلُ أنْ أطَبِّقَهُ في حَياتي بِاسْتِمرار، وَقَدْ سَاعَدَني كَثيرًا حَتَّى الآنَ، كُنْتُ مُهَذَّبًا في الطَّلَبِ وَلَمْ أكُنْ لَحُوحًا، لَقَدْ طَلَبْتُ ما كُنْتُ أرِيدُهُ فَحَسْب.
وكانَ رَدُّها: «بِكُلِّ سُرورٍ!» ثُمَّ سارَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إلى العَرَبَةِ الصَّغيرَةِ الَّتي تُوزَّعُ عليها المَأكولاتُ وَالمَشْروباتُ، وَفَتَحَتْها وَسَحَبَتِ الجائِزَةَ: زُجاجَةَ ماءٍ 1.5 لِتْر مِنُ نَوْعِ فيتل، رائعٌ!
جَلَسْتُ في هُدوءٍ وَراحَةٍ وَشَعُرْتُ بالارْتِواءِ. كُنْتُ أسْتَمِعُ إلى ألبوم بوذو باجو المُذْهِلِ Dust My Broom. عَلى جِهازِ iPod الخاصِّ بي، بَيْنَما كُنْتُ أقرأ كتاب جيه. دبليو. ماريوت The Spirit to Serve حَوْلَ كَيْفِيَّةِ وُصولِ سَلاسِلِ الفَنادِقِ إلى مَكانَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ. لَمْ يُصِبْني في هَذِهِ الرِّحْلَةِ الإجْهادُ النَّاشِئ عَنْ فُروقِ التَّوقيتِ ليسَتْ هُناكَ إمْكانِيَّةٌ لِحُدوث ذَلِكَ؛ لأنَّني قَد طَلَبْتُ.
(من كتاب: دليل العظمة)