فيصل خالد الخديدي
تعد التلمذة أسلوبًا من الأساليب العلمية لرعاية المواهب وصقلها في شتى المجالات، وذلك من خلال التواصل المباشر والملازمة بين صاحب الموهبة وصاحب الخبرة المتميزة من أهل الاختصاص بقصد صقل الموهبة، وإكسابه الخبرات، وتقديم رعاية متتابعة ومتخصصة ومتعمقة ومباشرة، تنقل كثيرًا من المعارف والخبرات والمهارات للموهبة، وتختصر كثيرًا من الوقت والجهد في تقديمها. وعادة ما يُستخدم أسلوب التلمذة في الفنون التشكيلية بين الموهبة الفنية وأستاذه من أصحاب الخبرة والمهارة التي تضيف للموهوب فنيًّا وتقنيًّا إما بشكل تلقائي غير مقصود، أو بمنهجية علمية وعمل مدروس ومخطط له.. وفي كلتا الحالتين تكون النتائج مهمة، والتأثير كبيرًا وواضحًا. والتأثر بالأستاذ في تقصي أثره واتباع خطواته كبير، ولكن سرعان ما يكتسب الموهوب (الحقيقي المثابر والمتطور والحريص) المهارة والقدرة والمعرفة التي يمتلكها أستاذه، ويستمر في التقدم والتطور والرقي حتى يخرج من شرنقة أستاذه، وربما يتجاوزه في القدرة والمعرفة والمهارة إذا ما عرف كيف يستثمر طاقاته وموهبته وينميها.. والأمثلة كثيرة في تاريخ الفن التي تجاوز فيها التلاميذ أساتذتهم بل إن تاريخ الفن سجل أسماء التلاميذ الذين كانوا امتدادًا لأساتذتهم، وأغفل أسماء الأساتذة الذين ساهموا في بناء وصقل موهبة الفنان الذي سجله التاريخ وأغفلهم. ونحن نرى حالة الأستذة الواهمة التي يعيشها البعض من فناني الساحة وهم يظنون أن الزمن توقف عليهم وعلى ما كانوا يحتلونه بين تلاميذهم، بل إن البعض أصبح يدعي الأستذة على كل من هم حوله بمجرد أنه قدّم استشارة أو أبدى رأيًا في عمل أو تقنية.. وكأنما هو بفعله هذا يصرخ بصمت «ها أنا موجود وما زلت أحتفظ بأستاذيتي التي لم أحصل عليها بفعل المنجز، وإنما بفعل التقادم والتطفل والوصاية المزعومة».
الفنان الحقيقي معطاء بطبعه، مثمر بروحه، لا ينتظر أستذة أو تلمذة، بل ينثر إبداعه عطاء بلا مردود.. فالفن هاجس يسكن روح الفنان، غذاؤه بالانتشار، وبقاؤه بالامتداد، لا تغريه الأستذة، ولا ينشد البهرجة ولا حب الظهور، متعته خالصة في الفن وللفن.. وبقاء أثره وانتشار فنه خير من احتفاظه بقليل مما يملك وانكفائه عليه بحجة أستذته واحتفاظه بوجاهته وأهميته.. فالفن متجدد متجاوز، لا يتوقف على تلمذة أو ينتهي بأستذة.