د. محمد بن إبراهيم الملحم
وصلتني مقالة لطيفة منشورة لأدهم شرقاوي حول الواجب المنزلي، ذكر فيها أن المعلم الإيطالي «روبيرتو نيفلز» ابتكر الواجبات المنزلية عام 1950 كعقاب لطلابه! وأشار إلى أنه «في حين بقيت آلاف الأفكار والنظريات التربوية الجميلة مثار جدل تبنى الكوكب كله نظرية «روبيرتو نيفلز» كأنه نبي المدارس! أراد هذا الشرير أن يعاقب طلابه فعاقب طلاب هذا الكوكب جميعًا! وأبدى الكاتب استغرابه من المدرسين الذين يعتقدون أن الواجبات المنزلية هي حاجة قائمة بذاتها، كما أنه ذكر تجربته حينما قدم لطلابه «واجبًا» للعطلة الشتوية، كتب فيه «لا تدرسوا، اجلسوا حول الموقد، استمعوا للحكايات، واشربوا الشاي، دفئوا أنفسكم، هناك متسع للدراسة في كل وقت، ولكن السعادة ليست متاحة على الدوام». وقد ثرّب الكاتب على حمل الطالب حقيبة ثقيلة من الكتب، تصل إلى ربع وزنه، ويقضي ثلث يومه في المدرسة، ويتنافس المعلمون على ما تبقى من وقته؛ ليقضوا عليه بالواجبات، ويظن كل منهم أنه لا يوجد غيره «بدل أن نعتقهم لوجه الله وندعهم يعيشون طفولتهم نجعلهم يأخذون معهم المدرسة إلى البيت». وأردف «ثم نتساءل لماذا يكره أولادنا المدرسة!». وقرر نقطة مهمة «إن لم يكن ثلث اليوم الذي يقضيه الطالب في المدرسة كافيًا ليتعلم ما نريد منه أن يتعلمه فهذا لا يدل إلا على شيء واحد، هو أن مناهج التعليم فاشلة، وغير إنسانية!». ومع أنه مع المدارس لكنه ضد أن تصبح سجونًا؛ لأن الواجبات المنزلية بشكلها وكمِّها الحالي قيود تكبل الطلاب.
أعجبني تناول المقالة للموضوع فطرحته لكم هنا لنتساءل سوية: هل الواجبات المنزلية شر حقًّا؟ أو هل هي شر «كلها»؟ والواقع أن الواجبات تظل أسلوبًا تعليميًّا مهمًّا إذا طُبقت في محلها؛ فهي مساحة أوسع من الحصة الدراسية؛ ليفكر الطالب ويتأمل، أو يكرر ويتدرب.. إنها طريقة من طرق الاستذكار، فإذا ما وُظفت بهذا السياق كانت بناءة، وهذا موقفي منها، أما إذا استُخدمت دون هدف تعليمي حقيقي، ودون أن تلتقي مع طبيعتها الوظيفية، فلم تكن لتلك المهمات التعليمية التي تحتاج إلى وقت أطول أو تدريب بالتكرار، فإنها تصبح عبئًا كما ذكر المقال. فعلاً، لماذا نرهق الطلاب بها إذا لم تؤدِّ وظيفتها؟ بل إننا نكرس صفة ذميمة، يتعلم عليها طلابنا منذ الصغر، هي اللجوء للآخرين؛ فبسبب جهل والديهم بالقيمة التربوية للتعلم كثير منهم يساعدون أبناءهم وبناتهم في البيوت لحل الواجبات المنزلية بطريقة غير بناءة؛ إذ يحلون لهم الأسئلة! وقد يشرحون فكرتها بعد ذلك للطالب (ولا يفعله إلا القليل)، بل إن بعضهم قد يصعب عليه معرفة الحل؛ فيلجأ إلى أحد الأصدقاء أو الأقارب عبر الهاتف؛ ليساعده على الحل، ثم يكتب الحل للطالب. كل ذلك والطالب يسمع ويرى ويتعلم هذه الممارسة من والديه العزيزين اللذين أبت عليهما عاطفتهما (وربما كرامتهما) أن لا يتمكن ابنهما أو ابنتهما من حل هذه الأسئلة. وهو أمر ينعكس على سلوك الطالب في مستقبل حياته في شؤون الحياة الأخرى.. فالمدرسة ليست سوى مسرح مصغر للحياة، يتعلم فيها الطالب التعايش الاجتماعي، وتفاعلاته، وأنماطه، وقيمه.. سنراه غدًا يطلب من زميله في العمل أن يكتب له تقريرًا ختاميًّا يقدمه لرئيسه، أو يحسب له حسابات لا يتقنها جيدًا.. إذا لم يؤدِّ الواجب المنزلي قيمة تعليمية حقيقية، وإذا لم يرتفع وعي الوالدين التربوي، فأظن أن عدم إعطاء الطالب واجبًا منزليًّا أفضل وأنفع له، على الأقل ستلغى من حقيبته الثقيلة مجموعة من الدفاتر، تسمى «دفتر الواجب المنزلي».