«الجزيرة» – محمد المرزوقي:
بحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، استضافت الجمعية الرئيس التنفيذي لـ«هيئة الثقافة»، سعادة المهندس أحمد المزيد، في لقاء بعنوان: «هيئة الثقافة السعودية: الشأن الثقافي والرؤية.. تعريف وتوجهات»، وذلك مساء أمس الأول، بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي، بمقر الجمعية، الذي أكد في كلمة ارتجلها على أن أهمية الهيئة تأتي منطلقاً من رؤية المملكة 2030، التي تهدف بجانب برامجها إلى تلبية تطلعات المجتمع السعودي الذي يشكله 75 في المائة من فئة الشباب، مشيراً إلى أن الهيئة شرعت خلال الأشهر الماضية إلى عقد العديد من الورش، التي جاء من ضمنها استبيان تم تنفيذه في (13) مدينة، من مختلف مناطق المملكة، شارك فيه (3700) مواطن، للتعرف على آرائهم من خلال ورش الاستبانات بشكل مباشر مع المشاركين، لاستطلاع آرائهم وللتعرف على ما يريدونه لثقافتنا السعودية، مستعرضاً ما تقوم الهيئة على الإعداد له من بنى تحتية واستراتيجيات، ستبنى عليها البرامج والفعاليات وترتيب الأولويات الثقافية للنهوض بعمل ثقافي في المملكة، موضحاً أن الهيئة عقدت - أيضاً – ورشة حضرها (150) فناناً سعودياً ممثلين لمختلف الفنون، لفحص ما تم التوصل إليه من ورش سابقة، لاستقراء آمالهم وطموحاتهم، والتعرف على الصعوبات والعوائق التي تحد من نشاطهم وتقف عقبة في طريق إبداعاتهم وتحد من تميزهم، ما نتج عنه قوائم توصيف لمختلف هذه الجوانب، التي بدأت هيئة الثقافة في وضعها ضمن منطلقاتها العملية.
وقال المزيد: حرصنا من خلال ورش استطلاع الرأي على أن تمر بعدة مراحل، وصلت إلى ما يمكن وصفه باختبارها أمام ممثلي لفنون الثقافة في المملكة، لننطلق من رؤية عميقة ودقيقة وإستراتيجية شاملة، تسعى إلى تحفيز الثقافة في المملكة بوصفه الهدف الرئيس لها، وتحديث القطاع الثقافي من خلال إيجاد حلول جذرية لحل العوائق التي يأتي في مقدمتها الأطر التنظيمية والقانونية، ممثلة عدة جوانب يمثل إطارها الأول (حماية حقوق الملكية الفكرية)، وحماية المبدع، إلى جانب الإطار الثاني، (الدعم والمساندة) التي تتمثل في جانبي: الدعم المادي من خلال صندوق لدعم المثقفين ومنجزاتهم الثقافية، ودعم غير مادي، منها حاضنات لدعم المثقفين داخل وخارج المملكة، عبر شراكات واتفاقيات مع جهات من داخل المملكة وخارجها، من شأنها مساعدة المبدع في الاشتغال على إبداعه، وتسهيل كلّما يتصل بمجاله الإبداعي مما يحتاج إليه من إجراءات تذلل له الصعوبات وتلبي له متطلبات الإبداع، إلى جانب الاهتمام بالإطار الثالث، الذي يعنى بـ(التعليم والتدريب)، كالمعاهد الفنية والمونتاجية المختلفة، إضافة إلى التمويل والدعم المصاحب لمسارات الثقافة المختلفة.
ومضى رئيس هيئة الثقافة قائلاً: نحن ندعم المثقفين، ونسعى إلى النهوض بإبداعاتهم دون تدخل، ضمن مجالاتها الثقافية المتمثلة في: المسرح، السينما، الموسيقى، الأدب، الفنون البصرية، التي يقابلها مسارات عملية تحفيزية تحديثية ستنهض بها الهيئة، على جانب المحافظة على تراثنا الوطني، واستثمار المواقع التاريخية، وصناعة الفيلم السعودي التراثي والوثائقي عبر مشروع شامل، إلى جانب (برنامج التعاون الثقافي الدولي)، الذي ينطلق من الداخل إلى الخارج، للتعريف بتراثنا وثقافتنا، وتغيير الصورة النمطية التقليدية بشكل يتجاوز البعد الإعلامي، إلى البعد البرامجي بطرق إبداعية، تأتي إلى جانب العديد من الاتفاقيات التي بدأتها الهيئة مع (9) دول، وبرامج ثقافية في مقدمته برامج (ثقافة الطفل)، بالشراكة مع وزارة التعليم، إذ إن الهيئة تعمل من خلال تكاملية مع المؤسسات الربحية وغير الربحية، لكون الربحية بحاجة إلى عوائد استثمارية لتواصل مسيرتها، ولكون الخيرية بحاجة إلى الدعم المادي وغير المادي لأداء رسالتها، كما أن الهيئة ليس من منطلقاتها العملية أخذ مكان جهة ما، أو دور أخرى، وإنما هي تتكامل مع مختلف الجهات لتكون أذرعاً فاعلة في أداء رسالتها الوطنية تجاه الثقافة والمثقفين، حيث نسعى على استثمار مقومات المكان، وطاقة الإنسان السعودي وخاصة فئة الشباب، كما أن هدفنا لا يمكن أن يكون له صبغة تجارية بحتة، وإنما الهدف خدمة الثقافة في بلادنا، موضحاً أهمية التفريق فيما يتم تداوله ضمن (الخصوصية)، بما مرده خصوصية بوصفها تشريعاً، وما مرجعه عادة مجرد عادة اجتماعية متباينة من مكان إلى آخر.
وفي مداخلة لصاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبد الله، تساءلت خلالها عن دور الهيئة تجاه المؤسسات (غير الربحية) المعنية بالتراث والثقافة، وذلك فيما يتعلق بمكانية حصولها على تراخيص من قبل هيئة الثقافة، ومدى استثمار الهيئة عبر شركاتها للتخفيف من وطأة المسؤولية العملية الثقيلة المنوطة بها، كالاستفادة من المكتبات العامة والكيانات الثقافية الأخرى، التي من شأنها مشاركة الهيئة في الجهد من جانب، وتخفيف الأعباء المادية من جانب آخر؛ فيما أشاد الدكتور أحمد الزيلعي بفكرة استقلالية الهيئة، والتأكيد على استثمارها للتراث الوطني؛ فيما أكد الدكتور سعد الراشد على دور الهيئة في استثمار المقومات التراثية والمواقع التاريخية، والتأكيد على أهمية الإسهام في تسجيل الناصر التراثية التي تزخر به المملكة؛ وفي مداخلة للدكتور زياد الدريس تساءل عن أدوار الهيئة مع وزارة الثقافة، وماهية الخصوصية بوصفها محفزاً أو عائقاً؛ فيما اتفق المداخلان فاطمة الحسن، وعبدالرحمن عودة، على دور هيئة الثقافة تجاه الطفل، كتابة وإنتاجاً مرئياً وترجمة؛ بينما تحدث فيصل الفاضل عن أهمية الجوانب القانونية، ودور الهيئة في تطبيقها؛ فيما وصف عبدالرحمن عيدان في مداخلته أن اللقاء أشبه ما يكون بورشة عمل استجلت العديد من الرؤى والمقترحات.
وفي تصريح لـ(الجزيرة) عما يصفه شريحة من مشهدنا المحلي بتأخر ظهور بدايات مشاريع الهيئة في مضمار العمل الثقافي، أوضح المزيد أن الهيئة في مرحلة (بناء) من جانبين، الأول فيما يتعلق بالبناء «الداخلي» للهيئة من تشكيل وتنظيمات داخلية، وإعداد إستراتيجية دقيقة شاملة ونوعية للعمل من خلالها، وآخر متصل ببناء «البرامج» الثقافية التي سنبدأ فيها قريباً، دون انتظار لاكتمال المنظومة البنائية للهيئة ككيان لنبدأ بعد اكتماله، فسيظل تطوير البناء الداخلي مستمراً، موضحاً في سياق ضم بعض القطاعات الثقافية إلى الهيئة وفي مقدمتها وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، بما في ذلك الأندية الأدبية، إلى جانب الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بمختلف فروعها، لتتحول إلى أذرع من جانب، ولما تعمل وفقه من تنظيمات عملية وأخرى قانونية، يجعل منها بنى تحتية (مكتملة)، من شأنها تسريع عمل الهيئة، قال المزيد: لا ترى الهيئة أنه من أولوياتها ضم هذا القطاع أو ذاك، فجميع الجهات ذات العلاقة بالعمل الثقافي، نعتبرها أذرعاً لنا، وإنما دورنا هو دعم تلك القطاعات، بالمادي وغير المادي وفي مقدمته التنظيمات واللوائح المساعدة والمساندة لتحفيز كافة اللاعبين في الميدان الثقافي وتحفيزهم على الأداء المتميز.
كما أكد المزيد في هذا السياق على أن (التبعية) المؤسسية ليست مما تفكرّ فيه الهيئة، وليس هدفاً أو أساساً في بنيانها الداخلي، أو التبعية بوصفها تدخلاً برامجياً، إذ المنطلقات الأساسية هي العمل من خلال تلك الأذرع الثقافية، والمؤسسية وقطاعات الثقافة داخل المملكة، وخارجها عبر شراكات برامحية وفقاً لرؤية تحولية واستراتيجيات أداء ما زلنا نحكم صناعتها لتواكب المرحلة الطموحة التي تعيشها بلادنا، مردفاً قوله: ما لا نفكر فيه هي مسألة تبعية القطاعات للهيئة، وإنما الطموح أن نجد أعداداً متزايدة من جمعيات في مختلف الفنون، وقطاعات في شتى مسارات الثقافة، لتنشط معها الحركة الثقافية، التي لن ندخر جهداً في دعمها ومساندتها، معلقاً على «الاستثمار في قطاع الثقافة» بقوله: علينا إدراك أن أي مستثمر في الثقافة، بأنه لا بد أن تجذبه رؤية واضحة، وأنظمة تخدم مشروعه وتسهم في مساندته، وحمايته، وهو ما تعمل عليه الهيئة، فلدينا يقين بأننا متى ما نشطنا الحركة الثقافية وطورناها بديناميكية سيعقبها طلب، ومع الطلب فالهيئة والجمعيات ستكون كافية، ما يفترض وجود قيمة لما يقدم، وإن بدأنا بعض منتجاته مجاناً إلا أنه سيشكل قيمة، تشجع القطاع الخاص إلى جانب قطاعات الثقافة الأخرى للاستثمار في فنون الثقافة المختلفة من مسرح وإنتاج فيلمي فنون بصرية وغيرها، ما يجعل خطوط إنتاجها وجهة للمستثمرين، إلا أن مرحلة (الربحية) هي الأصعب في رأيي لأنها مرتبطة بجودة وعرض طلب، ما سيبني لدينا منظومة تشاركية وتكاملية في جانب الاستثمارات الثقافية، التي بدأنا على وضع استراتيجيات لتسريع مراحل تنفيذها.